الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

استكمال الثورة هو الضمان الوحيد ضد فاشية الإسلام السياسي



استكمال الثورة هو الضمان الوحيد ضد فاشية الإسلام السياسي



قامت ثورة 25 يناير من أجل تحقيق مطالب ثلاثة لخصها الشعب في شعار بسيط (عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية)،  ولم تقم أبدًا من أجل تنصيب حاكم فرد مستبد تتركز في يده كل السلطات، ولا لكي تقيم حكم جماعة تحتكر التحدث باسم الدين وتمارس وصايتها على الشعب باسم الدين، وتتخذ القرارات التي تحدد مصيره بالنيابة عنه، تحت غطاء وهمي يتمثل في حرية شكلية يمارسها الشعب كل عدة سنوات عبر صناديق الانتخاب التي لا يمكن لها إلا أن تكون انعكاسًا لتوازنات القوى بين فئات الطبقة الحاكمة المحتكرة لعناصر القوة في المجتمع متمثلة في المال والنفوذ واحتكار المعرفة، ولا يمكن بالتالي أن تعبر بأي حال عن إرادة حرة لمن يساقون إليها، فيتم تزوير هذه الإرادة و التحكم في نتائج الانتخابات بالأموال، و النفوذ، و شراء الأصوات واستغلال عواطف الناس الدينية.
 لقد لعب الإسلاميون منذ اندلاع ثورة 25 يناير دورًا هامًا في عرقلة تطور وعي الثورة الجمعي فدور الإخوان وحلفائهم هو امتداد لدور الأنظمة السابقة، في حماية إسرائيل وقمع الحركات الاجتماعية الصاعدة، تلك الحركات التي من الممكن أن تؤدي إلى ثورة اجتماعية شاملة في المنطقة العربية، وكان يجب وأدها قبل ارتباطها بإرهاصات الثورة الاجتماعية في جنوب أوروبا، وذلك يعد استكمالًا لدور مبارك الرئيسي كحارس لحدود إسرائيل وقامع للإسلام المتشدد، وقد تجلى دور قمع الحركات الاجتماعية في المراسيم التي حاولت حكومة عصام شرف إقرارها، المُجرمة لحق العمال في الإضراب والاعتصام، تلك الحكومة التي دعمها الإخوان قلبًا وقالبًا، خدمة للرأسمالية العالمية وتدفق رؤوس الأموال، ورغبة منهم في عرقلة تطور الثورات العربية والوقوف بها عند حدود سلطوية تستبدل ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى، وتقف عائقًا أمام الحاق حركة الثورات العربية بتلك الناشئة في جنوب أوروبا، عن طريق صياغة هوية فاشية قائمة على رفض الجميع وإخضاعهم للوصاية السلطوية الشاملة.
وانكشفت حقيقة الإسلاميين، عندما وصلوا للحكم، وذلك بعدم اتخاذ أي قرارات جذرية لحل الأزمات  التي ترهق الجماهير، في حين شغلوا الحياة السياسية بقضايا فرعية وتافهة،  فلم يتخذ محمد مرسى أي إجراءات لتحقيق العدالة الاجتماعية،بل عمل هو ومعه التيار الإسلامي كله على كسر الإضرابات المتتالية واتهامها باتهامات ساذجة من قبيل الاعتداء على حرية العمل و تعطيل عجلة الإنتاج.
ومن ناحية أخرى فالتيار الإسلامي المسيطر على اللجنة التأسيسية للدستور والذي أصبح منفردا بها بعد انسحاب القوى الأخرى ما زال مصرًا على صياغات تقيد الحريات الإنسانية الأساسية، وهو ما يعطل إصدار الدستور حتى الآن، بسبب رفض القوى الأخرى لتلك الصياغات، ولذلك عمل محمد مرسي على تحصينها من الحل بحكم قضائي كان متوقعًا بعد أن فقدت شرعيتها، إلا أن مرسى لم يكتف  بهذا بل أعلن أيضًا تحصين قرارته من الطعن القضائي  وذلك فى ظل عدم وجود سلطة تشريعية لمراقبة هذه القرارات، كما منح نفسه سلطة تقديرية مطلقة في اتخاذ كل ما يراه مناسبًا من إجراءات بدعوى حماية أمن الوطن وسلامة أراضيه وما إلى ذلك من المصطلحات الفضفاضة التي تعج بها اللغة القانونية للاستبداد، ومن ثم أصبح فرعونًا جديدًا، وحاكمًا بأمره، لا معقب على حكمه ولا راد لقضائه، هكذا كشفت قرارات مرسي عن وجه التيار الإسلامي الحقيقي الذي اعتبر الثورة مجرد انقلاب سلطوي لاستبدال ديكتاتور بديكتاتور، و لا شك إن هذا لا يخص مرسي وتياره وحده لكن هناك قطاع عريض من القوى السياسية ينظر للثورة باعتبارها مجرد انقلاب سلطوي يتبعه تنصيب مستبد عادل، تيار عريض ينظر للثورة على إنها استبدال وصاية بوصاية أخرى وحكم سلطوي بحكم آخر.
وصاحب هذا الإعلان الدستوري الذي ألقاه مرسى مظاهر فاشية لا تخطئها العين لتدشين نظم يعادي ويتناقض مع مبادئ الثورة وأهدافها، فقد وجه خطابه لجماعته لا للشعب مما يشير لنيته لاستمرار نظام دولة الحزب الواحد، ، فيصبح حزب الحرية والعدالة بدلًا من الحزب الوطني، ومظاهر تمجيده كزعيم ملهم  بوضع صورته خلفه أثناء الخطاب، فضلا عن لغة التهديد لمعارضيه واتهامهم بكونهم من فلول النظام وممولين وبلطجية، و كان أول قانون تم تمريره في اليوم التالي لقرار مرسي هو قانون "حماية الثورة" الذي يحيل مجموعة من مواد قانون العقوبات المقيدة لحرية الرأي والتعبير والتظاهر والنشر إلى اختصاص نيابة استثنائية جديدة، ويسوق ذلك تحت ستار إعادة محاكمات قتلة الثوار والذي اشترط له ظهور أدلة جديدة فلا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، وأتبع ذلك بإصدار تعديل لقانون النقابات العمالية يقيد حرية واستقلالية الحركة العمالية التي كانت أحد مكاسب ثورة 25 يناير.
 أمام هذا الوضع فإن المهمة الثورية ليست هي إسقاط الأخوان و الإسلاميين فقط بل إسقاط كل أجنحة الطبقة الحاكمة والمالكة سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة الإصلاحية، هؤلاء الذين أعاقوا الثورة و خانوها بتكالبهم على السلطة، والذين سوف يكررون جرائم الإسلاميين لو أتيحت لهم الفرصة للحكم. و لا يختلفون كثيرا مع فاشية الأخوان ولا السلفيين إلا في بعض التفاصيل والرتوش الجمالية، فالبرجوازية في ظل الأزمة لا يمكنها إلا أن تكون فاشية و لا يجب أن نأمل منها حتى تحقيق مطالب الديمقراطية والليبرالية البرجوازية الصورية الهزيلة.

الشعب يريد إسقاط النظام
أناركيون شيوعيون
القاهرة 28 نوفمبر 2012

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

النقابية العمالية الثورية مفتاح الثورة ترجمة : حسين الحاج


النقابية العمالية الثورية
مفتاح الثورة
ترجمة : حسين الحاج 




النقابات العمالية هي منظمات الطبقة العاملة المناضلة التي أنشئت من أجل الدفاع عن مصالحنا كعمال ضد رؤسائنا. لكن الإتحادات العمالية تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك، فليس عليها أن تناضل ضد أرباب العمل في الوقت الحالي فقط، بل علينا أن نجعلها تنظم إضرابًا ثوريًا عامًا حيث يأخذ العمال الأراضي والمصانع من أرباب العمل، ويديرونها بأنفسهم لمصلحة العمال والفقراء. لن تتحقق الإشتراكية والحرية عن طريق البرلمان، يمكن فقط أن تتحقق هزيمة الرؤساء بكفاح العمال ومنظماتنا، يمكن أن تتحقق فقط من خلال النقابية الصناعية الثورية (اللاسلطوية النقابية).

لماذا نحتاج لإتحادات عمالية؟
أُنشئت الإتحادات العمالية بسبب حاجتنا إلى التوحد ضد أرباب العمل الذين يستغلوننا. نحن كثير وهم قلائل، لكننا نقوم بكل العمل ويحصلون هم على جميع الأموال. لقد بنينا الإتحادات الصناعية حتى نقاوم رؤساءنا. الإتحادات تمد العمال بالقوة لأنها تربط العديد منّا في منظمة قوية. إنها تمدنا بالقوة لأنها تستطيع تنظيمنا لضرب المدير في أكثر الأماكن إيلامًا، في جيبه، وذلك لأنها يمكن أن تحدث خللاً في الإنتاج (مصدر ثروة أرباب العمل) من خلال العمل الجماهيري. الإتحادات تجمع العمال لأنها تعزز القوة والثقة في الوحدة ومقاومة الرؤساء. ومن أجل ذلك يكره الرؤساء الإتحادات.

هل هناك مشاكل داخل الإتحادات ؟
نعم، هناك بعض المشاكل المهمة. وعلينا نحن العمال أن نأخذ هذه المشاكل بجدية. أول مشكلة هي أن الإتحادات تدار على نحوٍ متزايد بواسطة موظفين بتفرغ كامل. هؤلاء الموظفون يدفع لهم أكثر منّا، وكثير منهم يرون أن الإتحاد "مجرد عمل آخر". يصبح هؤلاء القادة محافظين لأنهم لا يريدون اتحادًا أكثر اشتباكًا، فهم ليسوا عمالاً بعد الآن، وهكذا ينسون ما عليه الحال. وبدلاً من ذلك فإنهم يفضلون قضاء أوقاتهم في التفاوض. وهذا يعني أحيانًا أنهم لا يدعمون كفاحنا، وغالبًا ما يتخذون قرارات استبدادية، فكثير منهم يرفض الإشتراكية، وإنهم يفضلون أن يجمعون الأموال من أجل الدخول في مجال التجارة لاحقًا.

ماذا يمكن أن نفعل ؟
يجب أن تتحول النقابات إلى منظمات نضالية حقيقية يديرها العمال ويحتكموا فيها. النقابات العمالية هي منظمات الطبقة العاملة المناضلة التي أنشئت من أجل الدفاع عن مصالحنا ضد أصحاب العمل. نستطيع تحقق الإشتراكية الحقيقية فقط من خلال تحرك النقابات العمالية الثورية لانتزاع الأرض والمصانع. لن تتحقق الإشتراكية من خلال البرلمان. يجب على الإتحادات أن تستولي على المزارع والمصانع وتضعها تحت الإدارة الذاتية للعمال. هذا هو جوهر برنامجنا: النقابية الصناعية الثورية (اللاسلطوية النقابية).
لا يمكن تحقيق هذا من خلال تعيين موظفون جدد بتفرغ كامل. يمكن أن يتحق ذلك، فقط بالتأكيد على سيطرة العمال على الإتحادات. القرارات يجب أن تؤخذ عن طريق إجتماعات جماهيرية وانتخابات لمجالس المندوبين العماليين المتواجدين في مقر العمل.
 لكي يتم التأكد من حدوث ذلك، يجب على العمال المناضلين والمندوبين العماليين تكوين جماعات معارضة داخل الإتحاد. هذه الجماعات ستحاول أن تتأكد من ديموقراطية الإتحادات، وعليها أن تشجع العمال على التوحد ومقاومة الرؤساء. يجب على هذه الجماعات أيضًا النضال من أجل حقوق مساوية للمرأة.  إننا لا نحتاج إلى موظفين بمرتبات، يجب أن تعمل الإتحادات بالعمال ومندوبيهم.

هل يمكن أن تخلق الإتحادات المجتمع الإشتراكي؟

نعم، تستطيع الإتحادات ذلك، بشرط حدوث ثلاثة أشياء:
·        أن يقوم العمال بإدارة الإتحادات بطريقة ديموقراطية.
·        أن تغير الإتحادات سياساتها بحيث أن تقبل مبدأ إستيلاءها على الأرض والمصانع ووضعها تحت إدارة العمال الذاتية.
·        أن تتوحد كل النقابات العمالية في إتحاد واحد ضخم تحت إدارة العمال.

الإشتراكية والحكومة:
تخلت العديد من النقابات عن الكفاح الإشتراكي، بعضهم يقول أنهم إشتراكيين، لكنهم يرون أن الإشتراكية ستتحقق عن طريق الوصول لكراسي الوزارة. لكن الإشتراكية لن تتحقق عن طريق الحكومة. الحكومة تدعم أرباب العمل، لم يقبض على مدير في إضراب أبدًا، بل يقبضون على العمال. أصحاب العمل هم الحكام الحقيقيون.
البرلمانات لا تملك القوة الفعلية، بل تكمن في مجالس إدارة الشركات والجيش والشرطة والطبقة العليا من مسؤولي الدولة. ولا يبالي السياسيون بذلك لأنهم يعيشون الحياة الجميلة التي لا يستطيع العمال إلا أن يحلموا بها فقط. وهكذا يقبض الثري بقبضة خانقة على مصير العمال. إنه يستغلنا في المصنع ويهيمن على البلد كذلك.
الإشتراكية الحقيقية يمكن أن تتحقق إذا قام العمال بأنفسهم من خلال إتحادهم بالسيطرة وإدارة الأرض والمصانع. واستبدال الحكومة بديموقراطية عمالية تقوم على الإتحادات. هذا يمكن أن يتحقق فقط إذا اتفقنا أن هذا طريق التقدم. وبكلمات أخرى، علينا أن نقنع جميع العمال بهذه الحقيقة. ثم علينا أن نجعل اتحاداتنا تتفق على هذه السياسة.

إتحاد عمالي واحد ضخم:
إننا بحاجة أن نبقي الإتحادات مستقلة عن كل الأحزاب السياسية. الأحزاب السياسية لا تستطيع تقديم الحرية، العمال فقط هم القادرون على تحرير أنفسهم. الأحزاب السياسية أحد الأسباب الرئيسية في إنقسام الإتحادات. إنه من المنطقي أن يتوحد العمال في اتحاد واحد ضخم، لكن الإتحادات منقسمة بين هذا الذي يدعم ذاك الحزب، والآخر الذي يدعم ذلك الحزب فيضعف كفاحنا. علينا أن نجمع الإتحادات – صناعة واحدة، اتحاد واحد، بلد واحد. دعونا ندمج كل الإتحادات التقدمية ببعضها ونوحد كل العمال بغض النظر عن العرق أو الإعتقاد. اتحاد واحد ضخم يعني القوة التي ستحطم أرباب العمل وتأخذ المصانع والأرض.

الإضراب الثوري العام:
الطريق إلى ديموقراطية العمال والإشتراكية يبدأ من العمل الجماهيري وليس من خلال الإنتخابات. علينا النضال ضد أرباب العمل كل يوم، الإضرابات والتباطؤ والسيطرة هي أسلحة العمال.
عندما نتوحد جميعًا بما يكفي، يجب أن ندعو إلى إضراب ثوري عام يومًا ما. بدلاً من الجلوس في المنازل أو التظاهر في المدينة، يجب علينا أن نذهب إلى الشركات والمصانع ونستولي عليها ثم نضعها تحت الإدارة الذاتية للعمال ونطرد أصحاب العمل. نستطيع أن ندير الحقول والمصانع فنحن نقوم بالعمل على كل حال. بالعمل جنبًا إلى جنب مع هياكل المجتمع من الطبقة العاملة والريفيين الفقراء ستنهي ثورة الإتحادات العمالية هذا النظام الرأسمالي. لا أثرياء بعد اليوم.
بدلاً من تلقي الأوامر من أرباب العمل، ندير نحن مقار أعمالنا بديموقراطية. ومن خلال الإتحادات، سنصل بين العمال الآخرين عبر الوطن وعبر العالم. نستطيع أن نخطط لإنتاج يفي بإحتياجاتنا وليس بجشع رؤساءنا. بدلاً من الرأسمالية، سنحصل على نظام إشتراكي وديموقراطية للطبقة العاملة، وبدلاً من عالم من الرؤساء، سنصبح عالم من العمال تدافع عنه جيش من العمال.
فقط هذا الإضراب الثوري العام سينهي الإستغلال الرأسمالي وإرث القهر العنصري. نستطيع أن نستعمل ثروة البلد في بناء المدارس والعيادات والمنازل وكل شئ نحتاجه. نحن من صنعنا الثروة، دعونا نستردها!
هذا هو برنامج النقابية الصناعية الثورية (اللاسلطوية النقابية).

بناء الغد بداية من اليوم:

تلخيصًا لما سبق، نحن نؤمن أن علينا:
·        بناء ديموقراطية عمالية مسيطرة على الإتحادات.
·        ضم الإتحادات إلى النقابية الصناعية الثورية.
·        توحيد كل الإتحادات العمالية في إتحاد واحد ضخم.

وعلى المدى القصير، هذا ما يجب أن نناضل من أجله:
·        إستقلال كل الإتحادات من تحالفاتها مع الأحزاب السياسية.
·        النضال ضد كل القوانين التي تقيد حق الإضراب أو تتدخل في الشؤون الداخلية للإتحادات.
·        معارضة كل محاولات ضرب الإتحاد من قبل أرباب العمل.
·        الحد الأدنى للأجور.
·        خلق وظائف جيدة الأجر ونافعة إجتماعيًا.
·        معارضة كل صفقة إنتاجية تؤدي إلى فقدان الوظائف.
·        تنظيم العاطلين.
·        النضال ضد التمييز العنصري في مقر العمل.
·        منح حقوق متساوية للمرأة في الإتحادات وأماكن العمل.
·        منح أجر عمل ستة أشهر للأم بدون فقدان للوظيفة.
·        يجب أن تعلن الإضرابات رسمية تلقائيًا من قبل الإتحادات شرط أن لا تتعارض مع مبادئ الإتحاد العمالي.
·        دمج كل الإتحادات بحيث أن تكوّن نقابة لكل صناعة، ثم إتحاد عام يضم كل النقابات العمالية فيه.
·        الإنسحاب من كل الإتحادات التي تضع برنامج "مشاركة العمال" و"صنع قرار مشترك"، لأنها مجرد مكائد من رجال الأعمال.

الأحد، 2 سبتمبر 2012

اللاسلطوية : ماهي، وماليس منها ~ شاز بوفيه ترجمة : حسين الحاج


اللاسلطوية: ما هي، وما ليس منها
شاز بوفيه
ترجمة : حسين الحاج

النص الأصلي


هناك مفاهيم رائجة مغلوطة حول اللاسلطوية، بسببها يرفض العديد من الناس اللاسلطوية واللاسلطويين جملةً وتفصيلاً.

تكثر هذه المفاهيم في وسائل الإعلام حيث يستخدم مصطلح "الأناركية" Anarchy عامةً كمرادف للـفوضى، وحيثما يشار إلى اللاسلطويين كإرهابيين بغض النظر عن اعتقاداتهم السياسية وانتماءاتهم. وكذلك عندما تذكر اللاسلطوية، فإنها دائمًا ما تقدم على أنها مجرد نموذج أحمق لتمرد الشباب،  بالطبع، هذه المفاهيم الخاطئة أيضًا تنتشر على نطاق واسع بين عموم الجماهير، مما يسمح لوسائل الإعلام عامة أن تمرر ما يحلو من أفكارها.

الأسوأ من ذلك، أن بعض من يطلقون على أنفسهم "لاسلطويين" لا يعرفون معنى هذا المصطلح، وهؤلاء يندرجون تحت فئتين بشكلٍ عام. الفئة الأولى، والتي أشار إليها اللاسلطوي الإيطالي الكبير لويجي فابري منذ ما يقرب من قرن في مؤلفه "التأثيرات البرجوازية على اللاسلطوية"، تتألف من أولئك الذين ينجذبون إلى الأكاذيب الإعلامية. هؤلاء ببساطة يبحثون عن تسمية لامعة لسلوكهم الأناني والمعادي للمجتمع، الخبر السار في هذا الأمر أن أغلبهم ينضج في النهاية ويتخلى عما يعتبرونه "لاسلطوية"، لكن الخبر السئ أنه حيثما يظهرون فإنهم يميلون إلى إعطاء اللاسلطوية سمعة سيئة للغاية، ومثلما وصفهم لويجي فابري
"هؤلاء الأشخاص لا يتمردون بسبب اللامعقولية، بل على النقيض، لأنهم مرتبطون بها. إنهم منجذبون إلى المهمات والأفكار تحديدًا لكونهم غير عقلانيين. وهكذا تصبح اللاسلطوية معروفة بأنها صفة غير منطقية ومضحكة بفعل ما ينسبه الجهل والافتراءات البرجوازية إلى التيارات اللاسلطوية.
[1]"

الفئة الأخرى تتكون من أولئك الذين يساوون بين اللاسلطوية وبعض الأيديولوجيات الأليفة التي لا تتعلق باللاسلطوية من الأساس. في العصر الحديث، كانت البدائية والأنانية اللا أخلاقية أبرز هذه المعتقدات المساء تعريفها. مرة أخرى، فإن خلط مثل هذه المعتقدات باللاسلطوية ينزع إلى إعطاءها سمعة سيئة بسبب لا معقولية الاعتقاد بالبدائية من ناحية، والطبيعة المعادية للمجتمع الظاهرة في الأنانية اللا أخلاقية من ناحية أخرى.
كي نحدد ذلك بطريقة أخرى، الخلط بين اللاسلطوية والفوضى والتمرد الطائش والأفكار اللاعقلانية مثل البدائية والسلوكيات المعادية للمجتمع مثل الأنانية اللا أخلاقية، له ثلاثة آثار أساسية مرفوضة:
1.     تتيح للناس رفض اللاسلطوية واللاسلطويين بسهولة.
2.   تجعل من عملية شرح اللاسلطوية لهم أكثر صعوبة، لأنهم يعتقدون أنهم يعرفون ماهيتها وبالتالي يرفضونها.
3.   تجذب عددًا ممن أطلق عليهم فابري "أشخاص تافهون وعابثون"، وأحيانًا أشخاص سيكوباتيين بالكامل، الذين تفضي أفعالهم وكلماتهم إلى تشويه سمعة اللاسلطوية أكثر.

من أجل ذلك، إذا ذهبنا إلى أي مكان، فعلينا أن نوضح ما هي اللاسلطوية وما ليس منها. أولاً، هيّا نعالج المفاهيم المغلوطة.

ما ليس من اللاسلطوية:

اللاسلطوية ليست إرهابًا: الأغلبية الساحقة من اللاسلطويين دائمًا ما يرفضون الإرهاب، لأنهم أذكياء بما يكفي حتى يدركوا أن هذا يعني نهايتهم، وأن الإرهاب بطبيعته عمل زعامي، وأنه حتى عندما تكون ناجحًا، فإنه في الغالب ما يؤدي إلى نتائج سيئة. ولقد صاغ المؤلفون المجهولون لكتاب "أنتَ لا تستطيع نسف علاقة إجتماعية: قضية اللاسلطوية مقابل الإرهاب" المسألة كالتالي:

"إنك لا تستطيع أن تنسف علاقة إجتماعية. الانهيار الكامل لهذا المجتمع لن يقدم أية ضمانات عما سوف يحل محله. إلا إذا كانت غالبية الناس لديهم أفكارًا وتنظيمًا كافيًا لخلق مجتمع بديل، سنرى العالم القديم يعيد تثبيت نفسه، لأن هذا ما اعتاد الناس عليه، وما آمنوا به، وما بقى دون منازع في شخصياتهم.
يجب معارضة دعاة الإرهاب وحرب العصابات لأن أعمالهم قيادية سلطوية، لأن أفكارهم، بقدر ما هي مهمة، خاطئة أو غير مرتبطة بنتائج أفعالهم -خصوصًا عندما يطلقون على أنفسهم تحرريين ولاسلطويين-، ولأنه لا يمكن تبرير مذابحهم، وأخيرًا لأن أفعالهم أما تنتج قمع دون مقابل أو نظامًا سلطويًا.
[2]"

افتراءات الحكومات والشركات الممتدة لعقود لا يمكن أن تغير هذه الحقيقة، أن الأغلبية الساحقة من اللاسلطويين يرفضون الإرهاب لأسباب عملية وأخلاقية. في أواخر التسعينيات، أطلقت مجلة "تايم" على تيد كاتشينسكي لقب "ملك اللاسلطويين"، لكن هذا لا يجعله كذلك. ألقاب "تايم" ليست سوى محاولة تقليدية، وربما مضللة عمدًا، لتلطيخ اللاسلطويين بفرشاة الإرهاب.

لكن هذا لا يعني أن المقاومة المسلحة غير صالحة. من الواضح أن هناك مواقف تكررت كثيرًا في قرون عديدة، يملك فيها الفرد خيارات قليلة، كما هو الحال عندما يواجه ديكاتورية تقمع الحريات المدنية وتمنع الفرد من العمل علانيةً. وحتى في مثل ذلك، ينبغي أن تقوم المقاومة المسلحة على مضض وكملجأ أخير، لأن العنف غير مرغوب فيه بالفطرة بسبب المعاناة الناتجة من دوافعه، ولأنها توفر للأنظمة القمعية مبررات لقمع أكبر، ولأنها توفر لهم فرصة لإرتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين ثم تلقي باللوم على معارضيها الإرهابيين، ولأن فرص نجاحها ضئيلة للغاية كما أوضح لنا التاريخ.

وعلى الرغم من أن المقاومة المسلحة أحيانًا تطلب في الأوضاع القمعية، فإن الرضوخ لرومانسية البندقية والمشاركة في حرب عصابات في المناطق الحضرية في المجتمعات المنفتحة نسبيًا التي تؤمّن الحريات المدنية إلى حدٍ كبير ولا يوجد فيها دعم شعبي واسع لبدء عملية عنيفة مسألة مختلفة تمامًا. العنف في هذه المواقف يساعد قليلاً لكنه يدفع الجماهير إلى أحضان الحكومة الأمنية، والحوار السياسي الضيق الذي يميل إلى استقطاب الناس بين مؤيد ومعارض لحرب العصابات يحوّل السياسة إلى لعبة رياضية يشاهدها الأغلبية الواسعة من الناس[3]، ويسوّغ للحكومة مبررات لقمع الحريات المدنية، وتحث على ظهور أنظمة قمعية أفضل تقدر على التعامل مع مشكلة "الإرهابي" بصورة أكثر تسامحًا من سابقيهم. ومن الجدير أيضًا بالذكر أن احتمالات نجاح مثل هذا العمليات القيادية العنيفة ضئيلة للغاية، إنها طريقة سقيمة ومتعجرفة تؤدي إلى الدمار[4].

اللاسلطوية ليست مذهبًا للعودة للبدائية: في العقود الأخيرة، ساوت جماعات صوفية شبه دينية بين اللاسلطوية ومذهب العودة للبدائية الذي يؤيدون أفكاره مثل رفض العلم والعقلانية والتكنولوجيا.[5] لكن في الواقع لا يوجد أي ارتباط بين الإثنين، فكما سنرى فإننا في الحقيقة نعتبر اللاسلطوية مجموعة من المبادئ الفلسفية الأخلاقية والقواعد المنظمة التي أعدت من أجل تعظيم الحرية الإنسانية. في الوقت الحالي، يكفي أن نقول أن دعوة التخلص من التكنولوجيا التي تروجها الجماعات البدائية تتضمن حتمًا وفاة ملايين البشر في هذا العالم ممن يعتمدون إعتمادًا كليًا على التقنيات المتشابكة في كل شئ، من صناعة وتوصيل الطعام إلى الإتصال والعلاج الطبي. إن نتيجة التخلص من التكنولوجيا المرغوبة بشدة يمكن أن تتحقق فقط بإستخدام وسائل الإكراه والعنف على نطاق واسع، المضادة لمبادئ اللاسلطوية بشكل مطلق، كما أنه من غير المعقول أن يتخلى أغلب البشر طوعًا عن مثل هذه الأشياء، مثل شبكات المياه والصرف الصحي، والطب الحديث، والأضواء الكهربائية، والمنازل الدافئة في الشتاء[6].

اللاسلطوية ليست فوضوية، ولا ترفض التنظيم: وهذه أكذوبة شهيرة يكررها الإعلام وخصوم اللاسلطوية السياسيين، خصوصًا الماركسيين، تكرارًا مملاً. لكن نظرة وجيزة إلى أعمال رواد المنظرين في اللاسلطوية تؤكد خطأ هذا الإعتقاد. لن يجد أحد رفضًا للتنظيم في كل كتابات برودون، وباكونين، كروبوتكين، روكر، وارد، بوكتشين.. إلخ، وإنما اهتمامًا خاصًا حولها، حول كيف ينبغي تنظيم المجتمع وفقًا للمبادئ اللاسلطوية في الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية. لقرن ونصف الآن، يجادل اللاسلطويون في أن ذاك التنظيم الهرمي القهري، كما هو مجسد في الشركات والحكومات، لا يعادل المنظمة التي يعتبرونها ضرورية، وأن هذا التنظيم القمعي يجب أن يستبدل بتنظيم قاعدي لا مركزي قائم على التعاون التطوعي والمساعدة المتبادلة، ذلك بالكاد يعتبر رفضًا للتنظيم.

اللاسلطوية ليست أنانية لا أخلاقية: كما يحدث في أي حركة إجتماعية طليعية، تجذب اللاسلطوية غريبي الأطوار، الطفيليين، والسيكوباتيين كليًا، والأشخاص الذين يبحثون عن تعريف لامع يغطون به أنانيتهم المرضية وتجاهلهم لحقوق وكرامة الآخرين ورغبتهم البائسة في أن يصبحوا مركزًا للكون. هؤلاء الأفراد يميلون لإعطاء اللاسلطوية سمعة سيئة، لأنه رغم ما لديهم من قواسم مشتركة مع اللاسلطويين الحقيقيين الذين يهتمون بالتصرف الأخلاقي والعدالة الإجتماعية وحقوقهم والآخرين، لكنهم استعراضيون في أغلب الأحيان، وأعمالهم المشينة تقع أحيانًا تحت أعين الجمهور. ومما يزيد الأمر سوءًا، فإن هؤلاء الإستعراضيين ينشرون آراءهم المغرورة ثم تعرف خطأً عن عمد أنها آراء "لاسلطوية". ومثال على ذلك، فإن ناشر مجلة "اللاسلطوي" الأمريكية الزائفة نشر مؤخرًا كتابًا ألفه شخص متبجح يهجم فيه اللاسلطويين الحقيقيين، عالمًا كل العلم أن ذلك المؤلف اللاسلطوي مخبر سئ السمعة لشرطة مكافحة المخدرات له عدد من المواقف أبلغ فيها عن خصومه في المؤسسات الحكومية. تصرفات هذا المخبر الذي يحاول إخفاءها متسقة تمامًا مع أنانيته اللا-أخلاقية، لكنها ليست لها أدنى علاقة باللاسلطوية الحقيقية. هؤلاء الأنانيون عديمي الأخلاق يسيئون استخدام التسمية، إنهم ليسوا لاسلطويين مثلما لم تكن جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة "ألمانيا الشرقية" جمهورية أو ديموقراطية.
السخف الشديد في الخلط بين اللاسلطوية والأنانية اللا-أخلاقية، تحديدًا فكرة "سأفعل ما يعجبني واللعنة على الآخرين"- سيصبح واضحًا في فترة قصيرة عندما ندرس ماهية اللاسلطوية الحقيقية.

اللاسلطوية ليست هي الليبرتارية: حتى وقت قريب نسبيًا، كان مصطلح "تحرري" يستخدم عالميًا كمرادف لللاسلطوية. في الواقع أنه كان يستخدم حصريًا لهذا المعنى حتى سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة عندما صادرها ما يسمى خطأً بالحزب الليبرتاري.
هذا الحزب ليس له أي علاقة بمفاهيم اللاسلطوية حول الحرية، خصوصًا مفهومي الحرية العادلة والحرية الإيجابية التي تدخل إلى الموارد الضرورية إلى حرية الممارسة والفعل. (وتناقش الحرية العادلة والحرية الإيجابية في الجزء التالي من هذا الكتيب). لكن بدلاً من ذلك، يهتم الحزب الليبرتاري بالحريات السلبية فقط، متظاهرًا أن الحرية توجد فقد بالمعنى السلبي، بينما ترتع في نفس الوقت في إنكارها للحرية الإيجابية المساوية للأغلبية العظمى حول العالم.
هؤلاء الليبرتاريون لا يمجدون الرأسمالية فقط، الآلة التي تنكر كلا من الحرية العادلة والإيجابية لأغلب الناس، بل يرغبون في الحفاظ على أجهزة الدولة القمعية بينما يقضون على وظائف الرعاية الإجتماعية ومن ثم اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وإعلاء حرية الأغنياء بتهميش الفقراء عن طريق وضع أحذية الدولة فوق رقابهم بقوة. وهكذا تم اختطاف مصطلح "التحررية" من قبل الأنانيين الذين هم في الواقع أعداء الحرية بما تعنيه الكلمة، والذين يشتركون مع اللاسلطوية في جوانب قليلة جدًا.

كل ذلك ليس من اللاسلطوية.

ماهي اللاسلطوية:

بالمعنى الضيق، اللاسلطوية ببساطة هي رفض الدولة ورفض الحكومة القمعية، تحت هذا التعريف الضيق بشدة، يمكن أن تظهر سخافات مثل "اللاسلطوية الرأسمالية" أو اللاسلطوية الدينية[7].

ولكن أغلب اللاسلطويين يستخدمون مصطلح اللاسلطوية بصورة أوسع كثيرًا، فيعرفونها كرفض لكل أشكال القهر والسيطرة. وهكذا، لا يرفض أغلب اللاسلطويين الحكومة القمعية فقط، بل أيضًا يرفضون الأديان والرأسمالية، والذين يعتبرونهم أشكال أخرى من توأم القمع والهيمنة الشريرين. إنهم يرفضون الدين لأنهم يرون فيها النموذج المثالي للهيمنة والذي يقضي فيه إله كلّي القدرة على من أطاعه ومن لم يطعه حسب جماعته. وهم يرفضون الرأسمالية كذلك لأنها مصممة لإنتاج أغنياء وفقراء ولأنها مصممة لإنتاج نظام من الهيمنة يعطي فيه بعض الناس الأوامر ولا يملك الآخرين سوى طاعتهم. ولأسباب مماثلة يرفض أغلب اللاسلطويين على مستوى شخصي التمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الميل الجنسي الذي يتسبب في ظهور تفاوت مصطنع وبالتالي ظهور الهيمنة.

ولعرض ذلك بطريقة أخرى، يؤمن اللاسلطويون بكل الحريات السلبية منها والإيجابية. في هذا البلد، تقدم الحرية عادةً بالمعنى السلبي فقط في أن تصبح حرًا من التقييد. ومن هنا يساوي أغلب الناس بين الحرية بأشياء من قبيل حرية التعبير وحرية الإجتماع وحرية العقيدة، ولكن هناك أيضًا جانبًا إيجابيًا من الحرية الذي يصر عليه اللاسلطويون وحدهم تقريبًا[8].

هذا الجانب الإيجابي من الحرية هو ما أطلقت عليه إيما جولدمان "حرية الفعل والممارسة"، وهذه الحرية  تعتمد بشدة على النفاذ إلى موارد العالم كي نتمتع بها أو نستخدمها. وبسبب هذا يصبح الأغنياء هم الأكثر حرية وفقًا لهذا المعنى من بقيتنا. كمثال على ذلك في مجال حرية التعبير، يمكن لدونالد ترامب أن يشتري عددًا من الجرائد والمحطات تلفزيونية كي تروج لآرائه وتؤثر على الرأي العام، لكن كم من العمال يستطيعون القيام بنفس الشئ؟ كم عامل يستطيع تحمل تكاليف شراء جريدة يومية واحدة أو محطة تلفزيونية واحدة؟ الإجابة واضحة. العمال لا يستطيعون القيام بذلك، ولكن بدلاً من ذلك، لقد خفضنا إنتاجنا إلى مجلات يقرأها بضع مئات الأشخاص أو نشر صفحات على الإنترنت في أوقات فراغنا القليلة نسبيًا.

تذخر الحياة اليومية بأمثلة على الحرية العظمى للأغنياء، ونضعها في عبارات عامة، لأنهم ليسوا بحاجة إلى العمل. فالغني ليس يملك الكثير من الأموال فقط، والتي هي مفتاح الحصول على الموارد، ولكن لديه الوقت للسعي وراء اهتماماته ولذاته ورغباته أكثر من بقيتنا. نستشهد بمثال ملموس مثل أن الأغنياء يستطيعون إرسال أبناءهم إلى أفضل الكليات التي توظف أفضل المعلمين، والتي لا يستطيع بقيتنا أن يتحمل تكاليفها، وحتى إذا استطعنا تحمل تكاليفها، فسنعمل كعمال مأجورين في الكليات الأهلية والحكومية "مساعد أستاذ" وطلاب دراسات عليا يعملون فوق طاقاتهم ولا يتقاضون مصروفات كافية. أبناء الأغنياء أحرار تمامًا لمتابعة دراساتهم في الكلية، بينما يجب على باقي الطلاب العمل بدوام جزئي كي يعولوا أنفسهم مما يحرمهم من ساعات يستطيعون تخصيصها للدراسة. إذا فكرت فيها، ستجد بسهولة أمثلة إضافية على حرية الأغنياء العظمى في نطاق الرعاية الصحية والسكن والتعذية والسفر... إلخ. في كل نطاقات الحياة تقريبًا.

الحرية العظمى للأغنياء تأتي على حساب الآخرين من خلال خفض حريتهم في الفعل. ولا يوجد وسيلة للتغلب على ذلك نظرًا إلى أن حرية الفعل محددة إلى حد كبير بالحصول على موارد محدودة. أناتول فرانس فسر الإختلافات بين القيود المفروضة على الأغنياء والفقراء جيدًا عندما كتب قائلاً، "إن القانون بمساواته العظيمة يمنع الغني كما يمنع الفقير من النوم تحت الجسور والتسول في الشوارع وسرقة الخبز!".

ولأن الهدف الرئيسي للاسلطوية هي إتاحة أكبر قدر ممكن من الحرية للجميع، يصر اللاسلطويون على الحرية العادلة بجانبيها السلبي والإيجابي، والتي تعني بمعناها السلبي أن الأشخاص أحرار في أن يفعلوا ما يريدون ما لم يضروا أو يتقحموا الآخرين مباشرة، وبمعناها الإيجابي أن كل الأشخاص أحرار متساوين في الفعل والممارسة وأنهم يملكون فرص متساوية في الحصول على موارد العالم.

يعترف اللاسلطويون أن الحرية المطلقة مستحيلة، لأن الأنانية اللا-أخلاقية التي تتجاهل حقوق الآخرين ستتحول سريعًا إلى حرب الجميع ضد الجميع. ما نزعمه أن كل إنسان يملك حريته العادلة من القيد (محددة بإحترام حقوق الآخرين فقط) وأن كل إنسان يملك تقريبًا فرصًا متساوية في الحصول على الموارد، وبالتالي يضمن مساواة أو شبه مساواة في حرية الفعل والممارسة. هذه هي اللاسلطوية بمعناها النظري.

كانت هناك محاولات جادة في أسبانيا وكوبا وقلة من بلاد أخرى لجعل هذه النظرية واقعًا من خلال حركة تعرف باسم اللاسلطوية النقابية (السنديكالية)، والهدف الرئيسي للاسلطوية النقابية هو استبدال الحكومة القمعية بالتعاون الطوعي بين نقابات يتحكم فيها عمالها تنسق إدارة الإقتصاد بأكمله. وهذا ليس من شأنه ليس فك القيد الحكومي على الحرية السلبية فقط، وإنما ستصبح قفزة هائلة نحو الوصول إلى الحرية الإيجابية، كانت الثورة الأسبانية (1936 - 1939) هي أقرب ما تحقق من هذه الرؤية، عندما أصبحت مناطق واسعة من أسبانيا، خصوصًا مناطق الصناعات الثقيلة، تحت سيطرة "اتحاد العمل الوطني" CNT النقابي اللاسلطوي. ويصف جورج أورويل هذا الإنجاز في "الحنين إلى كاتالونيا" قائلاً :

"كان للاسلطويين السيطرة الفعلية على كاتالونيا وكانت الثورة في أوجها.. وكان منظر برشلونة مذهلًا ومثير للإعجاب، كانت تلك المرة الأولى التي أصبح فيها بمدينة تسيطر عليها الطبقة العاملة، وكان العمال يستولون على كل البنايات من جميع الأحجام ويكسوها بالأعلام الحمراء أو الأعلام اللاسلطوية السوداء / الحمراء..  جميع المحلات والمقاهى وضعت نقوشًا أنها أصبحت أملاكًا جماعية، حتى ماسحو الأحذية أصبحوا جماعيين ودهنوا صناديقهم بالأسود والأحمر، النادلون وصبية الدكاكين ينظرون إلى وجهك ويتعاملون معك على قدم المساواة، حتى أساليب الحديث الرسمية والمستكينة قد اختفت... كانت المصلقات الثورية في كل مكان، تتوهج على الجدران بحمرة وزرقة واضحة جعلت من الإعلانات القليلة المتبقية مثل لطخات من الطين... كان ذلك كله غريب ومثير للشعور. هناك أشياء لم أستطع فهمها. وفي بعض الأحيان لم تعجبني. لكنني أعترف على فور أنها حالة تستحق النضال من أجلها."

هذه هي اللاسلطوية، وكان أورويل محقًا، هي تستحق النضال من أجلها.[9]


[1]Bourgeois Influences on Anarchism, by Luigi Fabbri. Tucson, AZ: See Sharp Press, 2001, p. 16.
[2] You Can't Blow Up a Social Relationship. Tucson, AZ: See Sharp Press, 1998, p. 20.
[3]قد يكون ذلك الآن بسبب اللامبالاة، ولكن في المواقف العنيفة / القمعية تستبعد البدائل الأخرى للكل من لم يشارك مباشرة في المقاومة المسلحة.
[4] للمزيد من المناقشة حول هذه المسألة، انظر "you Can't Blow Up a Social Relationship: The Anarchist Case Against Terrorism,"Bourgeois Influences on Anarchism".
[5] كان تيد كاتشينسكي يبدو في بعض جوانبه رومانسيًا نموذجيًا، اختلف عن معظمهم في أنه تصرف طبقًا لمعتقداته، وإن كان بأسلوب عنيف وجبان، وأنه عاش في الواقع حياة بدائية نسبيًا في منطقة نائية في مونتانا، خلافًا لمعظم إخوانه في الدين الذين يعيشون حياة مريحة في المناطق الحضرية ويوظفون .التكنولوجيا التي يبشرون بكراهيتها
[6] للمزيد من المناقشة حول هذه المسألة، انظر Anarchism vs. Primitivism, by Brian Oliver Sheppard. Tucson, AZ: See Sharp Press, 2003، وأيضًا "Primitive Thought" appendix to Listen Anarchist!, by Chaz Bufe. Tucson, AZ: See Sharp Press, 1998..
[7] بالفعل، كان هناك عددًا كبيرًا من اللاسلطويين المتدينين القديرين، شخصيات مثل تولستوي ودوروثي داي وأعضاء جماعاتها العمالية الكاثوليكية مثل أمون هناسي، رغم أن هناك تناقض غير محتمل بالنسبة لمعظم اللاسلطويين في الدعوة إلى الحرية على الأرض بينما يخضعون لطاغية سماوي بغض النظر عن مدى وهمية الإعتقاد فيه.
ليست هناك نماذج ساطعة من اللاسلطويين الرأسماليين على حد علمي
.
[8] كي أكون منصفًا، يميل الماركسيين إلى التأكيد على الحرية الإيجابية، ولكن أغلبهم قساة القلب بغرابة، وغالبًا ما يكونوا عدائيين صراحة للحرية السلبية، الحرية من القيود، خصوصًا عندما يمتلكون السلاح ويستمرون في القيام بالقمع.
[9] بالتأكيد، هذا نقاش منظم حول اللاسلطوية، حيث أن غاية الكتيب تقديم تمهيد لها يقرأ في عشر دقائق، من أجل تفصيل أكثر حول هذه الموضوعات، انظر Anarchism and Anarcho-syndicalism, by Rudolf Rocker; What Is Communist Anarchism?, by Alexander Berkman، Fields, Factories and Workshops, by Peter Kropotkin; and Anarchy in Action, by Colin Ward.

الأحد، 17 يونيو 2012

بيان : ثورتنا ليست إشاعة



بيان : ثورتنا ليست إشاعة !



عن موقع نواة


مازلنا نريد إسقاط النظام
ومازال شعارنا : شغل حرّية وكرامة وطنية
لا نهضة لا دساترة، لا حداثويين لا سلفيين … سنصنع البديل الذي يستجيب لمطالب الثورة !
لمّا اندلعت شرارة الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010، بعدما شبع شعبنا حَرقةً وحُرقةً واحتراقا وبعد أن سلبه الذين لا يشبعون قوته وحقوقه، كانت الشعارات التي هتفت بها الحشود واضحة صريحة:
“الشعب يريد إسقاط النظام”
“شغل، حرية، كرامة وطنية”
وكان العدوّ، رغم وجوهه المتعدّدة، سهل التوصيف: “سرّاقين بلادنا، قتّالين ولادنا“.
أمّا اليوم، بعد عام ونصف من “تهريب” بن علي، فان غضبنا يتصاعد يوماً بعد يوم بعد أن نجح شركاؤه الفعليون داخليًا وخارجيًا وشركاؤه الافتراضيون، الذين كانوا يتوسّلون شراكته دون جدوى في أغلب الحالات، في الالتفاف على شعارات الثورة وتشويهها ومحاولة شطبها من رهانات الحاضر فضلا عن محوها من الذاكرة الجماعية، كما أرادوا مثلاً عند فسخهم شعارات اعتصام القصبة…
بل ووصل بهم الأمر اليوم الى حدّ تحويل ثورة الكرامة الى مسرح صراعات هويّات قاتلة يتنافس على ركحه “رجعيّو الأنوار” مع “رجعيّي الظلام” على استلاب وعي النّاس وحرفهم عن القضايا التي ثاروا من أجلها… وذلك في نفس الوقت الذي يُفرج فيه القضاء غير المستقلّ عن المتّهمين بقتل شهدائنا ويتستّر فيه على الفاسدين الذين امتصّوا عرق فقرائنا ونهبوا ثروات بلادنا…
كلّ ذلك لصالح الحرب الضارية على السلطة والامتيازات المستعرة بين أحزاب وجمعيّات ولوبّيات هؤلاء الشركاء الذين تحرّكهم نفس الثقافة الزبونية اللاوطنية؛ ولا يهمّهم إلاّ الصراع المحموم على السلطة في المنابر الإعلامية والشبكات الاجتماعية وفي المحطّات الانتخابية وفي مواجهات ميليشياتهم وفي كواليس دوائر النفوذ المالي والسياسي الدوليّين.
إنّها الحرب القذرة التي تطحن رحاها يوميًا كلّ من شارك في الانتفاضة الشعبية. فيسجن القضاء الفاسد شباب الثورة ويعتدي البوليس المجرم على جرحاها وعلى أهالي الشهداء وعلى المعطّلين عن العمل والطلبة. وتسحق السياسة الاقتصادية التابعة من لا سقف لهم إلاّ سقف الفقر. ويشارك الاعلام المشبوه، على اختلاف ولاءاته، في تضليل الناس وتغيبب حسّهم النقدي لتيسير رميهم حطبًا لنار التعصبّ أو أوراقًا في صناديق الاقتراع.
أما قطبا هذه الرحى فهما كالآتي:
الترويكا: أو “كيف نبقى بالسلطة لأطول مدّة ممكنة”
أ – النهضة: رأس حربة الترويكا أو”الأغلبية الشرعية الشعبية المؤقّتة”
- تعيد إنتاج منظومة الحزب-الدولة دون أدنى حياء، وذلك بتنصيب الأعضاء والأقرباء والأنصار والموالين في جلّ المناصب الحكومية والإدارية. ولا تتوانى في عقد التحالفات مع التجمّعيين لضمان مساعدتهم ايّاها في الحفاظ على السلطة بحجة “مكره أخاك لا بطل” و”التجمع يتحكّم في دواليب الدولة “؛
- برنامجها الاقتصادي نيومحافظ – نيولبيرالي، يعتمد على ثقافة الصدقة ويتجاهل الصراع الطبقي (الذي تعتبره النهضة بدعة)، ويواصل خدمة أصحاب النفوذ والثروة على حساب الفئات المحرومة؛
- تستورد نماذج سياسية ودينية واقتصادية من الخليج وغيره، كما تتستّر بشكل سافر على الاعتداءات السلفية وتحمي المعتدين؛
- تتقاعس بشكل مثير للريبة عن معالجة الملفات الحسّاسة والعاجلة كتلك المتعلقة بالمحاسبة في قطاعات الأمن والعدل والمالية. بل وتتصرّف أحيانا بطريقة يُستَشفّ منها نوع من الانتقائية في رغبة المحاسبة (كأنّ المستعدين لتقديم ولائهم وخدماتهم يتمتّعون بحصانة شبه علنية عملا بقاعدة “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن”) ؛
- سياستها الخارجية تقوم على منطق “من يدفع لنا فهو منّا ومعنا”، مهما كان هذا الطرف ومهما كانت جرائمه في حقّ شعبنا أو شعبه أو في حق الشعب الفلسطيني الشقيق؛
- ورغم بداهة ما تتمتّع به النهضة من درجة عالية من فقدان الكفاءة في شتّى المسؤوليات والملفّات التي تكفّلت بها إلاّ أن ذلك لا يفسّر الفرق الشاسع بين الخطاب ماقبل-انتخابي والخطاب مابعد-انتخابي، ولا التناقض الفاقع بين الخطاب الرسمي للقيادة وممارسات القواعد المعروف عنها انضباطها.
ب – حليفا النهضة: كـ”الزير المتكّي لا يفرّح لا يبكّي”
حزبا المؤتمر والتكتل، اللذين كان من المفترض أن يعدّلا ميزان قوى الأغلبيّة بشكل يضمن “القطيعة” مع استبداديّة النظام السابق، كرّسا بالعكس هيمنة النهضة. الأمر الذي ساهم في إغراقهما في انقسامات خطيرة أضعفتهما، كما أنّ جلّ وزرائهما في الحكومة لا يختلفون عن وزراء النهضة في ضعف الكفاءة وغياب الجرأة وأحيانًا في استغلال النفوذ. كما أنّ ذريعة الانشغال بالعمل على الدستور التي يلجأ لها الحزبان غالبًا لم تعد تنطلي على أحد.
المعارضة: أو كيف نسترجع االسلطة لأطول مدّة ممكنة.
أ – التجمع الدستوري: أو “داوني بالتي كانت هي الداء”
بعد أن تم حلّه قانونيا وبطريقة جعلت ملفّاته والعديد من ممتلكاته وأرصدته وأرشيفه في مأمن، وبعد أن تولّى قيادة البلاد في الفترة الانتقالية الأولى (قبل الانتخابات)، أمسى كوادر هذا الحزب بين عشيّة وضحاها يتغنّون بالثورة ويطلقون على النظام الذين كانوا أوفى حرّاسه اسم “العهد البائد”.
وانبعث من جديد حزب القمع والفساد والاستبداد في هيئة العشرات من الأحزاب والجمعيات بشكل فاضح، مستفيدًا من شبكاته القديمة التي لا يمكن للثورة ان تنجح من دون تفكيكها. إذ بات من الواضح أن الطبقة التي حكمتنا نصف قرن، حاشيةً لبورقيبة ثمّ لبن علي، لن تقبل التخلّي بسهولة.
بل إنّها محافظة على عجرفتها (لم يسجّل التاريخ ولو اعتذارات رمزية لمسؤولي التجمع من الشعب الذي قمعوه وسلبوه وقتّلوه، بل بالعكس كانت تصريحات العديد منهم مهينة في حقّ ضحاياهم) وعلى مصالحها ومصالح لوبياتها بتواصل تغلغلها في وسائل الإعلام وبضغوطها على القضاة الفاسدين لإطلاق سراح من تمّ إيقافه من بينهم ولاسترداد وتهريب أموالهم المسروقة من المال العامّ والخاصّ؛ وبالتقرّب ومحاولة عقد الصفقات المريبة مع حكام الترويكا الجدد عامّة والنهضة خاصّة لضمان حمايتهم مقابل خدمات يحقّ لنا التساؤل عن نوعها (خاصة إذا ما تذكرنا على سبيل المثال رفض وزير الداخلية النهضوي نشر قائمة البوليس السياسي ومخبري التجمّع).
ويحاول الدساترة التنكّر في لبوس ” عذرية حداثية بورقيبية” كانوا هم المسؤولين التاريخيين عن عدم اكتمال مشروعها وبقائه مفهوما سطحيا مُسقَطًا لا يستوعب المجتمعَ ولا يحتضنه المجتمعُ؛ يواصلون مغازلة الغرب والمتغرّبين بشعارات “دولة القانون” و”حقوق المرأة” و”الدولة-الأمّة” وبرسم استراتيجية واضحة تواصل تكريس نفس النموذج السياسي الاقتصادي والاجتماعي وذلك بـ:
اختزال المشكل الاقتصادي في مجرّد مشكل رشوة وفساد
اختزال النظام الاستبدادي والديكتاتوري في تجاوزات العائلات المصاهرة لبن علي.
اختزال الفساد في الممارسات الاقتصادية والسرقة امّا المشاركة في الاستبداد فهي “اجتهاد خاطئ” لا فساد.
وهي طريقة فعّالة لصرف الأنظار والانتباه الشعبي عن مواقعهم الحساسة التي مازالوا يتولّونها في ادارات الدولة ودواليب الاقتصاد ولحفظ نفس النظام الذي مازال يحمي امتيازاتهم إلى يوم الناس هذا.
ب – الأحزاب “الديمقراطية”: “إجريولنا ضربونا”
وهي خليط من الليبراليين واليساريين البورجوازيين الذين يحصرون صراعهم في حلبة الدفاع عن الحريات الفردية وحقوق الانسان. وهو صراع من أجل قضية نبيلة وعادلة غير أنّه في الأصل جزء لا يتجزّأ من القضية الكبرى: قضية الحرية في معناها الأشمل الذي يضمن حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي فإنّه لا معنى للتشدقّ بهذه الشعارات في ظلّ هيمنة طبقة ميسورة على أخرى ما تزال تتخبّط في هاجس الخبز اليومي والتهميش الثقافي والسياسي.
ومن المعروف أن هذه الأحزاب كانت لتكتفي برحيل بن علي أو حتى بقبول هذا الأخير مشاركتها إيّاه في الحكم، وهو ما جعلها تراكم الأخطاء التاريخية (من موقف 13 جانفي إلى مشاركة بعضها في حكومتيْ الغنّوشي) دون اعتذار، حافرةً بيديها الهوّة بينها وبين عامّة الشعب الذي طالما حاولت دون جدوى استمالته بشعارات العدالة الاجتماعية والديمقراطية التشاركية التي تستعملها بإفراط بلاغي دون أن يكون لها أدنى تصوّر أو مشروع مجتمعي يكرّسها ويبني لها مصداقية بين الفئات المفقّرة والمهمّشة.
ولعلّ هذه القطيعة السياسيّة المبكّرة التي جعلتها في معزل عن الشرائح الشعبية، والتي عمّقتها بانخراطها في لعبة الهُويّة المسمومة واستنزاف طاقتها للدفاع عن العلمانية كأولوية وطنية قبل ملف المحاسبة والعدالة الاجتماعية، هي ما جعلتها في حالة ضعف خطير أيقظ فيها غريزة البقاء – بدل أن يحدو بها إلى النقد الذاتي ومراجعة مواقفها وتموقعها داخل المجتمع.
الأمر الذي أدّى بها إلى ارتماء انتحاري في أحضان آبائها الروحيّين – البورقيبيون- وانخراطها معهم في حلف ضد “القوى الظلامية”، وفي دوّامة احتقار بورجوازي حقير للجسم الانتخابي والفئات الجهوية والاجتماعية التي رفضتهم و/أو لم تفهم مقاربة “الحداثة” التي ينادون بها.
وهي مقاربة لا تختلف جذريا عن المقاربة الحداثية المسقطة على المجتمع والتي أنتجتها الديكتاتورية كآلية هدفها الأول شرعنة بقائها وتسويق صورتها في الغرب؛ ممّا أضرّ أساسا بالمشروع المجتمعي التحرّري الحقيقي الذي لا يمكن أن يبنَى على غير قاعدة الحسّ النقدي والحوار والابداع المتواصل مع الموروث الثقافي والتضامن الإجتماعي والبحث والتعبير الحرّين (أي كلّ ما عطّلته الديكتاتورية التي تتحالف الأحزاب “الديمقراطية” اليوم مع أزلامها).

ج – اليسار: “فرايجيّة ونبّارة أو خانها ذراعها قالت مسحورة”
جزء منه اختار “الحلّ الأسهل” المتمثّل في التحالف الانتهازي مع “الاحزاب الديمقراطيّة” والانخراط في معركة “الحداثة” المغلوطة. فيما يحاول جزء آخر يضمّ أحزابا ونقابيين ومستقلين تجاوز ثنائية القوى المضادة للثورة ومواصلة المسار الثوري الذي كانوا في طليعته، قبل أن تتجاوزها الأحداث والحسابات الخاطئة، وطرح المسألة الاقتصادية وملف المحاسبة كأولوية عاجلة. لكنّ يبقى البعض رهينة صراعات زعاماتية و”مذهبية” سخيفة وبالية، وضحية عجزٍ عن الابداع الفكري وممارسة سياسيةٍ وتواصلية أثبتت عدم نجاعتها، في ظلّ حملات التشويه والتكفير والتضييق الأمني والمالي التي يمارسها ضدّها قطبا الثورة المضادّة (الإسلاموي والحداثوي).
عجز متراكم يجعلها نادرا ما تتجاوز مربّع ردّ الفعل إلى الفعل والمبادرة، وتجعل دورها هامشيًا في المعركة القائمة بين القوى المعادية للثورة.
إن هذا المناخ السياسي، الذي أقلّ ما يمكن أن يوصف به هو أنه مزري وبائس، يدلّ على مدى استفحال داء الدكتاتورية وثقافتها في الطبقة السياسية. وما يزيد الطين بلّة هو انّ الحرب الضروس التي تدور اليوم بين النخب الحاكمة القديمة والجديدة – قطبيْ الرحى – تغذّيها وتُسندها النخب السياسية والاقتصاديّة الغربية وتوابعها الخليجية التي لا تدّخر جهدًا لتقوية حلفائها (من الشقّين) اللذين يتنافسان على إرضائها وحماية مصالحها التجاريّة والماليّة والأمنيّة. وهو ما تثبته الأموال السياسيّة الطائلة التي ما انفكّت تنهمر على بلادنا، وتغرق “المجتمع المدني” الوليد بتمويلات مشبوهة تئد استقلاليّته وتفرغه من مضمونه الوطنيّ. ذلك بالإضافة إلى الحصانة المنيعة والتعتيم الذي تتمتّع به المؤسسة الأمنية والعسكرية والبنك المركزي مقابل حفاظهما على النظام السياسي والاقتصادي الذي لا يخدم غير مصالح القوى الأجنبية – أي بتعبير موجز: مقابل حفاظهما على حالة الاستعمار غير المباشر.
الحاصل : “بن علي هْرَبْ”، أما “إلي خلّى خليفة ما ماتِشْ” وما كلمة “النظام البائد” إلاّ ذرّ رماد على العيون.
يتصارع الفريقان المهيمنان على الحكم والمعارضة من أجل وراثة التحكّم في نفس النظام السياسي والإقتصادي والاجتماعي القائم على استغلال الفئات الشعبية والتفريط في ثروات البلاد وإغراقها في الديون وأسرها في التبعية، محافظين بشراسة على ما اكتسبه كل منهما من امتيازات، دون أي تجاوز للثنائيات التي تعيق تطوّر بلادنا منذ نصف قرن (السواحل/المناطق الداخلية، النخبة/الشعب، السياحة/الفلاحة)…
تُحرّك كلا الفريقين نفسُ العقلية الانتهازية والنزعة الاستبدادية مهما اختلف شكلها، ملتحيًا كان أو أمردا، في جلباب أو في تنّورة قصيرة، سواء كان بيده سبحة أو كأس نبيذ، سواء كانوا عبيدًا لفرنسا أو جواريَ لقطّر… وهم في كلّ الحالات جنودٌ لأمريكا.
أما الفئات الشعبية، وقود الثورة والوجبة اليومية لعصابة السرّاق، فهي لا تغدو فاعلا إلاّ في الجمل الرنانة التي تزيّن خطب السياسيين العصماء الذين نصّبوا أنفسهم ناطقين رسميّين باسمها في نفس الوقت الذي يعملون فيه على قيادتها إلى مذبحة المواشي. هذه الفئات غائبة تماما من معادلة الحرب التي أنتجتها ثورتها، لا يعبّر عنها أحد سياسيًا، فتلجأ إلى حلول من نوع حرق الذات، وقطع الطرق والاعتصام، ومواجهة رجال الأمن الفاسدين. عندها يهرع كلا الفريقين السياسيّين الى تشويه صورتها، فبينما ينادي أحدهما بصلبها وتقطيع أوصالها ينادي الثاني بإحالتها على قضاء ليس لأيّ منهما مصلحة في التعجيل بتطهيره. ذلك علاوة على تحويلهما وجهة الغضب الاحتجاجي الثوري، كلّما بات خطرًا عليهما، إلى طاقة تغذّي العداء الهُويّاتي – جهوي أو قَبَلي أو طائفي أو ديني\علماني – خاصّة في الجهات التي ترقد على ثروات طبيعية كالحوض المنجمي.

بناءًا على قراءتنا لهذا الوضع،
نحن التوانسة الممضون أسفله،
نساءًا ورجالا،
متديّنين أو غير متديّنين،
عمّالا وإطارات وطلبة وفلاحين، بطّالة أو شغّالين :
- نرفض أن نكون رهينة لأيّ من هذيْن الفريقين السياسيين المصمّميْن على خيانة الثورة عمليًا عبر الحفاظ على النظام الجائر الذي ثار عليه شعبنا؛ وبالتالي نرفض أن يكون خيارنا الديمقراطي الوطني محصورا بين عدوّيْ الثورة: النهضة وحلفائها والقايد السبسي وحلفائه؛
- عاقدون العزم على “التشويش” و”المشاكسة السياسية” عبر القلم وفي الساحات حتّى بلورة مشروع بديل نقدّمه إلى شعبنا وقواه الحيّة لنقاشه واثرائه والمضيّ سويّة في تفعيله؛.

مشروع لا مكان فيه لإستيراد قوالب سياسية او فكريّة جاهزة أو وصفات سحرية خارجية، ولا يكتفي بشعارات مطلبية جزئيّة جوفاء وفضفاضة من قبيل ” المزيد من العدالة الاجتماعية” و”التخفيف من التباينات التنموية الجهوية”
فالمطلوب برأينا بديل فكري سياسي اقتصادي فنّي اجتماعي… نمدّ أيدينا لصياغته مع كلّ من يشاركنا قراءتنا للمشهد وتحرّك فيه كلماتنا الألم والأمل؛ بديل لا يمكن ان يُبنَى بعيدا عن ساحات الواقع ولا بمنآى عن النضال على الجبهات المحورية التالية التي يفتحها شعار “شغل، حرية، كرامة وطنية”:

أوّلاً، “الشعب يريد المحاسبة“: إرساء آليات عدالة انتقالية تمثّل الضمانة الوحيدة للقطيعة مع النظام. رفض الاكتفاء بالتعويضات الماديّة، وضرورة الكشف العمومي عن كلّ قائمات وملفات البوليس السياسي والرشوة والفساد المالي واستغلال النفوذ والإجرام الفردي والمنظّم. إذ لا سلمَ بلا عدالة.
ثانيًا، “التشغيل استحقاق يا عصابة السّرّاق“: إن الصراع الطبقي موجود فعلا رغم نفي كلا الفريقين، وقد عبّر عن نفسه بوضوح منذ بداية الثورة في الجهات والأحياء المحرومة. ومادام لم يُعتَرَف به فانّ “الغضب الساطع آت” مجدّدًا لا محالة ولن تنجح الحلول الترقيعيّة او التخديريّة في اطفاء جذوته. إذ لا يقتصر الأمر على الفساد، بل يتعلّق بمنطومة اقتصادية واجتماعية يجب تغييرها برمّتها ومن دون ذلك لا مجال للحديث عن عدالة اجتماعيّة حقيقيّة، الشرط الضرورة لضمان الحرّيات العامّة والفرديّة.
ثالثًا، “الشعب التونسي شعب حرّ، لا أمريكا لا فرانسا لا قطر“: فضح الصفقات المشبوهة بين كلا الفريقين والنخب السياسية والاقتصاديّة الأجنبية؛ استرجاع أموال الشعب المنهوبة: لا ديمقراطية حقيقية بلا سيادة وطنية، ومن دون استقلاليّة القرار الوطني في كافّة المجالات.
نحن واعون بجسامة المهام التي نطرحها على أنفسنا وعاقدون العزم على توحيد قوانا لصياغة مضمون ملموس لهذه المهام وللنظام الحرّ والسيادي والعادل الذي نبتغيه لشعبنا كبديل عن النظام الذي طالب وطالبنا معه بإسقاطه.
مازلنا نعاني الهشاشة والضعف وسوء التنظّم، مازلنا مشبَعين بالتفاؤل والمثالية والشاعرية، لكنّنا مصرّون على ألاّ نترك القوى المعادية للثورة تنام قريرة العين، مصرّون على ألاّ نترك شعبنا ضحيّة واعية أو غير واعية لجلاّده ذي الوجهين.
وسيعلو صوت صراخنا من جديد فوق كلّ الشوشرات السلفية والحداثوية والنداءات المستنجدة بالديناصورات السياسية؛ حتّى لا ينسى أحد- وما تتآمر أغلب الطبقة السياسية من أجل أن يُنسى- ما مات من أجله شهداؤنا: حقّ شعبنا المسلوب في الشغل والحرّية والكرامة الوطنيّة.

كتب هذا البيان ووقّعه:
هالة اليوسفي، تريد الحياة و ستقاوم حتى يستجيب القدر.
غسّان بن خليفة، مواطن يرى انّ اسقاط النظام مهمّة ثورية لم تتمّ بعد.
بسام بونني ، مواطن مع تأجيل التنفيذ.
شكري حمد، لا صوت يعلو فوق صوت الشعب.
غسان عمامي، مواطن يريد إسقاط النظام ومحاسبة الأزلام واستكمال المهام لتحقيق الأحلام في الحرية و المساواة والسلام.

قائمة غير حصريّة للموقّعين :

وجدان الماجري، تريد الحقيقة.
نضال شامخ، إنسان يريد أحلام الشّهيد.
هاشم الوشّام، تونسي يريد بلدا نرتقي فيه من درجة “الرّعاع” إلى المواطنين.
فريال مباركي، لم اختر وطني ولكني اخترت حبه و جننت به حتى الموت من أجله فلست أغلى من شهدائه، أحلم أن أنجب منه حرية و كرامة و سلام فلا تقتلوا أحلامي ولن تقتلوني.
وفاء عبيدة، إنسانة تحب حق الشّهيد و الجريح و حق الحراق و الحق في الحلم.
حسني هارتلي، تونسي يريد الوعي والحرية.
أروى بركات، انسانة تريد الحرية والعدالة الاجتماعية باجتثاث النظام الفاسد.
غيث يوسفي، مواطن من سيدي بوزيد يريد : شغل حرية كرامة وطنية.
حبيب عايب، كرامة، شغل وعدالة إجتماعية.
سلمى المستيري، مواطنة تونسية تريد شغل حرية ،عدالة إجتماعية، و شعبًا واِعيًا عَقلياً، نفسياً وجسديًا.
ذكرى حواشي، مواطنة تريد الشغل والحرية والعدالة الاجتماعية.
ثريا عمامو، أريد حق المواطنة لكل التونسيين، العدالة الاجتماعية والحريات لن ترسخ إلا بإسقاط النظام السائد٠المحاسبة و إسترجاع الحقوق بداية.
قيس اليوسفي، مشروع مواطن يامن بانّ الانسان فوق كل اعتبار…يسقط النظام وينتصر الانسان.
مريم بن ترجم، مواطنة تريد عدالة مستقلة و إعلام حر.
منصف طالب، مواطن تونسي أريد المحاسبة ثم المصالحة ….لان ما يبنى على الباطل باطل.
داوود عبد المنعم الفالح، مواطن تونسي يريد العدل و العدالة.
سامي بن غربية، نصف مواطن يريد الحياة.
سليم باش حانبة، مواطن يرفض الظلم والظلام والــظـالمـيـن.
ريم تليلي، مواطنة فدّت من الكذب و التمهطيل.
حلمي سماط، انسان يرفض ان يعامل كرقم، يحب ارضه و اقسم العيش دون مذلة.
ملاحظة:لا يريد استعمال اكتيفيا ضد النفاخ.
ياسين زاير، مواطن تونسي يريد ان يحقق الاهداف التي استشهد من اجلها شباب تونس.
مالك لخوة، يريد عدالة إجتماعية.
هيكل حزقي، صعلوك من صعاليك الثورة يريد أفول الأسياد و أصنام النظام.
شان العنابي، مواطنة تونسية تريد شغل عدالة حرية و وطنا.
خنساء بن ترجم، تريد ان تحلم من جديد، بثورة مش بيعان الشهيد.
أمينة بن فضل، مواطنة تريد ان تنتمي لشعب يمشي و راسه مرفوع.
عبدالسلام حمدي، أمضي من أجل أن تعود الثروة والثورة لأصحابها الحقيقيين للقاعدة المواطنية الواسعة من أجل وطن أسعد وأرحب للجميع.
هاجر بوجمعة، مواطنة تونسية مع سبق الإصرار و الترصّد تحلم أن تكون حطّابا لتهوي على الجذوع بفأسها.
ريم عروسي، من أجل تجذير الحراك الثوري و التصدي للالتفاف على المسار الثوري.
أميمة زروق، شبه مواطنة تريد حق الانسان في انسانيته.
اثينا بلّاص، الهة الحرب و الحكمة، نصحح باسمي و اسم بَيْ دُزوس تطوال تقصار راكم باش تجيفو.
صفاء مسعود، من اجل العيش في كرامة و تحقيق كل اهداف الثورة.
اسكندر الديماسي، نكرة في هذا الوطن و هذا العالم يطمح لأن يعودة الحق في الّشغل و العيش لائق و الكرامة الانسانيّة لهذا الشعب و القصاص من كل اعدائه جددا كانوا او قداما.
ناصر نصيري، متمرد على كل أشكال التهميش والتفقير.
وائل ونيفي، كاره الديناصورات و عبدة الأصنام.
نضال العش، تائه في أروقة الثورجية وحالم بوطن موحد يتسع للجميع ويحفظ كرامة الأجيال القديمة والجديدة، حتى يصبح للإنسان معنى في وطن جرد من معنى الوطن.
حيفا، مواطنة تونسية الثورة الفعلية في الثنية.
يسري المنوبي، أناشد الإنسان بتولي حكم نفسه بنفسه.
شكري اليحياوي، محاسبة … محاسبة … لا صلح … لا مصالح.
هيثم بنزيد، الثورة مستمرة لتحقيق أهدافها.
وسيم لطيف، مواطن مع الإنعتاق الفكري و الإقتصادي.
أحلام الحناشي، مواطنة تحلم بتونس حرة.
غسان العثمني، من أجل الحد الأدنى من حقوق البشر.
ملاك الوسلاتي، مواطنة ضد الصلح و العمالة تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية و تفعيل المحاسبة.
أميرة الكرّاي، مواطنة مع وقف التنفيذ حتى استكمال المسار الثوري.
عزيز عمامي، مواطن يريد إسقاط النظام.
خولة الزغلامي، تونسية ضد نسيان وتناسي دماء الشهداء و تضحيات الجرحى.
حمد غضباني، مواطن يريد تحقيق الشعارات التي رفعها مفجّرو المسار الثوري.
مديحة الحناشي ، مواطنة تريد ثورة عقل عارمة.
أمل بلحسن، مواطنة ضد استغلال الانسان للانسان وتحت شعار التشّغيل استحقاق يا عصابة السرّاق.
حاتم السّعيدي، مواطن لا يهادن ولا يساوم… ولن يستكين.
مالك صغيري، مواطن متشائم العقل متفائل الارادة.
رحمة الباهي، مواطنة تطالب باستكمال الثورة.
مالك الخضراوي : “من لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر”.

على الراغبين في إمضاء هذا البيان الاتصال ب: manifesterumeur@gmail.com.