الأحد، 22 يناير 2012

الأناركية في فكرة واحدة بسيطة

ماهي الأناركية
في فكرة واحدة بسيطة
الأناركية ليست إلا فكرة واحدة بسيطة : يجب أن ينتظم المجتمع بشكل غير هرمي، بمعنى أن لا ينقسم إلى رؤساء و مرؤوسين، سادة و عبيد, إذ إننا لا نحتاج الى إلرؤساء، و السياسيين، و رجال الأعمال ليحددوا لنا كيف نعيش حياتنا. يطمح الأناركيون فى الوصول لمجتمع يعتمد على فكرة " من كل فرد حسب قدرته الى كل فرد حسب حاجته " .

نريد أن نصل لمجتمع يعتمد على ديمقراطية شعبية حقيقية، تظل فيه السلطة على مستويات محلية ، وتنتظم فى مجالس لتجمعات منتخبة بشكل حر، بحيث لا تحتكر السلطة فى النهاية فئة قليلة، و تمارس القمع من خلالها على الأغلبية .

لا نريد أن نصبح رؤساءً جدد، و لا أن نصادر السلطة " لحساب الطبقة العاملة ". ليس للأناركيين أي إهتمام بإحلال طائفة من القادة محل أخرى. على العكس من ذلك تمامًا، نحن نعمل من أجل مجتمع اشتراكي تحرري  يملك كل فرد فيه رأيًا مباشرًا وحرًا وفعالًا فى صنع القرارات، تلك التى ستؤثر في حياته فى المقام الأول و الأخير.

إن أعجبتك تلك الفكرة، يمكنك أن تقرأ المزيد عن الأناركية و ما الذي تريده بالتفصيل، و تتشارك أفكارها مع الأصدقاء و الجيران و رفاق العمل. فكلما زاد عدد المهتمين بالفكرة - و الفاعلين لأجلها - كلما سنصل الى ما نطمح إليه بشكل أسرع.
و هذا هو ما نطمح اليه، ببساطة : عالم خالٍ من الفقر و من الاستغلال. عالم، تكون فيه الحرية، واقعًا مُعاشًا حقًا ، و الأهم، أن تكون فيه الحرية متاحةً للجميع.


 




الجمعة، 20 يناير 2012

ما هي الأناركية - جون فلود


ما هي الأناركية
جون فلود


" انهضوا كما تنهض الأسود من سباتها/ بأعداد لا حصر لها/ انفضوا عنكم السلاسل التي تربطكم إلى الأرض / التي ألقيت عليكم وانتم نيام/ كما تنفضون قطرات المطر / انتم كثير  وهم قلائل"
الشاعر الانجليزي برسي شلي

خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين نهضت الحركة العالمية الأناركية من سباتها العميق، في أنحاء كثيرة من العالم تكتسب الأفكار وطرائق التنظيم الأناركية  أرضية قبول أوسع من ذي قبل، وبالرغم من ذلك، لازال الكثيرون يربطون ما بين الأناركية والعنف، والتخريب، والفوضى، هذا المفهوم الخاطئ عن الأناركية يتم دعمه عبر وسائل ومؤسسات الأعلام الجماهيري، من قبل أولئك الذين يرغبون في تشويه الحركة الأناركية، ومن نافل القول، إن هذه الفكرة المغلوطة عن الأناركية لا تحمل أدنى علاقة مع مفهوم المجتمع الذي يحاول الأناركيون خلقه عبر نضالاتهم.
ولدت الأناركية في خضم النضال الطبقي وظهرت في تاريخ الحركات الاشتراكية والعمالية، يرغب الأناركيون في استبدال النظام الاقتصادي الحالي القائم على استغلال الأقلية للأغلبية بنظام آخر، نظام يمتلك فيه العمال، الذهنيون واليدويون، السلطة والثروة التي ينتجونها للمجتمع وذلك سيسمح للناس أن يقرروا ما يحتاجون، هذا النظام الاقتصادي المخطط والمدار بصورة ديمقراطية سيتم توجيهه لتلبية حاجات الناس بدلاً من توجيهه لتلبية جشع الأقلية المسيطرة.
لكن الأناركيون يعتقدون أن السيطرة على الاقتصاد لا يمكن ممارستها عبر سلطة مركزية شمولية، فالأناركيون يرون الحرية كقلب الاشتراكية النابض، والتاريخ، والفهم العقلاني والخبرات السابقة تعلمنا انه بمجرد نشوء سلطة مركزية فإن المجموعة الحاكمة تعميها بالسلطة وتشعر أنها تعرف أفضل ما يخص الصالح العام، وعادة ما تستخدم تلك المجموعة الحاكمة سلطتها الجديدة ضد أعدائها، حتى ولو كان أعداؤها هم نفسهم ذلك الشعب الذي تحكم باسمه، إن الخبرة التاريخية المريرة للثورتين الروسية والإسبانية وتجارب أخرى عديدة عبر التاريخ تعلمنا أن الرأسمالية والبنية الطبقية لا يمكن انهاءهما من الأعلى، فالحرية لا تضمنها الحكومات أو النخب، الحرية تنتزع عبر نضالات العمال والفئات الأخرى المقهورة في المجتمع.
بدلاً من تعيين رؤوساء (جيدين) وقادة لتسيير الأمور (الأقلية) بدلاً من بقية المجتمع (الأغلبية)، يدعو الأناركيون الشعب نفسه لممارسة سلطته المباشرة على كافة نواحي الحياة، يعتقد الأناركيون إن أي معاملة مشتركة بين الأفراد يجب أن تكون تحت سلطة الأفراد المعنيين أنفسهم لا تحت مراقبة أي سلطة قمعية خارجة عنهم.
سيكون أساس المجتمع القادم الذي يدعو له الأناركيون  مجالس العمال واللجان الشعبية المنتخبة بصورة حرة، في هذه المجالس وفي تلك اللجان يمكن للناس أن تلتقي معًا وتنافش كيفية استغلال موارد مجتمعها، هذه المجالس يمكنها الاتحاد على مستوى قطري أو عالمي لتقرير كيفية إدارة جماعات أكبر، وتعين المجالس المحلية مندوبين للمجالس الوطنية والإقليمية والدولية، ولو تم تجاوز التفويض من قبل أحد المندوبين او تصرف ضد رغبة اللجنة التي فوضته يتم تجريده مباشرة من سلطاته، في كل الحالات فإن سلطة إتخاذ القرار ستقع على الجماعة الممثلة للمجلس ككل لا على المندوب الفرد، بالرغم من ذلك لا يجب الاعتقاد ان تلك الديمقراطية المباشرة ستقرر فقط توزيع البضائع والمنتجات ففي مجتمع أناركي سيكون للناس سلطة التحكم في كيفية الانتاج نفسها بما يناسب ظروف معيشتهم.
إن الأناركية لا تشبع مجرد رغباتها (الحيوانية) من طعام، ملبس، مسكن إلى آخره،  فهي تمنحنا الكرامة والسلطة على كافة مجريات حياتنا، انها تخلق الظروف الاجتماعية التي تجعل البشر قادرين على التطور الحر وإدراك إمكاناتهم الحقيقية.
من الواضح أننا لسنا على مقربة من هذا المجتمع المثالي الجميل بعد، لكن، لا ينبغي اعتبار الأناركيون مجرد حالمين بيوتوبيا ما، فالأناركيون يدركون إن هناك نضال طويل وقاسي يتطلبه الوصول وتحقيق أهدافنا الأساسية، وبدلًا من الجلوس على الكنب وانتظار سقزط الراسمالية أو انتظار الثورة العالمية كي تأتي لنجدتنا، يؤمن الأناركيون باهمية التنظيم، هنا والآن، على أسس متطلبات العمل اليومي ويشترك الأناركيون في الاتحاد العمالية والنضالات المجتمعية، كما يكافحون التمييز على أساس الجنس او اللون أو العقيدة ويدافعون عن الاختيار الفردي الحر ومن أجل حياة أفضل وسلطة أكبر للأفراد على مقدرات أمورهم.
الأناركية إذًا هي تحليل ما هو سيء في المحتمع القائم، واستراتيجية شاملة لتغييره، ورؤية لمستقبل أفضل قائم على التضامن، المساواة، والحرية.

هل الأناركية خطيرة ؟



هل الأناركية خطيرة ؟


نعم ، بالتأكيد هى كذلك . ليس لأنها عنيفة ، أو لأن الأناركيين ارهابيون ، و لكن بسبب أفكارهم . ليس شئ أشد خطرا فى الحياة ، من شخص يعرف جيدا كيف يعمل النظام ، و الأهم يعرف ما الذى يريد استبداله به . الأناركى خطير ، لهؤلاء الذين فى السلطة و يحتكرون القوة ، لأنه يستطيع أن يرى جيدا - و بشكل سليم - من خلال ألعابهم الوضيعة . الأناركية خطيرة ، لأنها لا تحترم هؤلاء و لا ما يمثلونه و يروجون له.

و الأناركية خطيرة أيضا - بشكل استثنائى - لأنها تشجع كل ما يتعلق بالنشاط الذاتى ، العمل المباشر ، و الديمقراطية المباشرة . هل يمكنك تخيل كم يكون خطيرا ذلك الشخص الذى يؤمن بأن الناس يمكنها تنظيم حياتها ، بغير الحاجة الى سادة و رؤساء ؟ . هل يمكنك تخيل مقدارخطره ، عندما يريد كسر جميع التراتبيات ، و استبدال الدولة باتحاد لمجالس من تجمعات ؟ .

و هى خطيرة ، لأنها تلقى صدى عند الناس . لأنها ليست أفكارا جديدة فى حقيقة الأمر ، و انما أفكار قوية تقدر قيمة كل البشر ، واستحقاقهم جميعا للحياة العادلة . قوة الأناركيين ، اذن ، تنبع من قوة أفكارهم ، و من قدرتهم على التأثير فى الآخرين لتبنيها و العمل بها .اذ أن كل نشاط يمارسه الأناركيون - فرادى أو جماعات - يتحدى سلطة القائمين بالأمر .

و الدولة - باعتبارها كيان ارهابى - تعرف جيدا كيف تتعامل مع التهديدات بالعنف أو الارهاب . و ان لم يكن هناك أى حركات سياسية او اجتماعية تستخدم الارهاب كسلاح ، فسوف تعمل على خلق بعضها ، مما يمكنها - فى النهاية - من تبرير وجودها . لكن وجودنا نحن ،كأناركيين ، يوقع الذعر فى قلوب من يملكون القوة و السلطة : و سلاحنا الأعظم - ليس العنف ، و انما قوة الفكرة .

سوف يحاولون اقصاءنا مرارا ، باعتبارنا حمقى مثاليين أو ارهابيين غير عقلانيين . لكنهم - و بغض النظر عما سوف يفعلونه - لن ينجحوا ، فقط لأن أفكارنا ستتغلب - فى النهاية - على أى عائق يضعونه فى الطريق .

نحن ، باختصار ، خطيرين ، لأننا نشكل تهديدا مباشرا لكل النظم و الحكومات السلطوية - المدنية منها و الدينية .

حسنا ، هل الأناركية اذن خطيرة لمن يتسلط و يقمع و يستغل ؟ نعم ، بالتأكيد . هل هى خطيرة للمتسلط عليه ، للمقموع ، للمُستغَل ؟ . أبدا ! .

الأربعاء، 18 يناير 2012

نقد نظرية ماركس عن الدولة - ميخائيل باكونين ترجمة : حسني كباش


نقد نظرية ماركس عن الدولة 
ميخائيل باكونين 
ترجمة : حسني كباش 

لا يوجد أي طريق يقود من الميتافيزيقية إلى الوقائع الحقيقية للحياة . هناك هاوية واحدة تفرق النظرية عن الواقع . و من المستحيل أن تتجاوز هذه الهاوية بواسطة ما أسماه هيغيل (( القفزة النوعية )) من عالم الفكر إلى عالم الطبيعة و الحياة الواقعية .
الطريق الذي يقود من الواقع المعين إلى النظرية و بالعكس هو الأسلوب العلمي و يعتبر الطريق الواقعي . في العالم الواقعي هناك الحركة الاجتماعية نحو أشكال تنظيمية التي ستعكس بدورها صورة الحياة نفسها بكل جوانبها و تعقيداتها في أكبر مكان ممكن .
هكذا هو طريق البشر نحو الحرية الكاملة التي ستكون حقا للجميع , طريق الثورة الاجتماعية الأناركية التي ستنشأ من البشر أنفسهم الذي سيشكلون قوة تقضي على كل العقبات . فيما بعد ستخرج بشكل عفوي الأشكال الخلاقة للحياة الاجتماعية من قاعدة الروح الشعبي . طريق السادة الميتافيزيقيين يختلف تماما . ميتافيزيقيون هو تعبير نستخدمه عن أنصار هيغيل و عن الوضعيين و عن كل أولائك الذين يعبدون العلم كإله , كل أولائك الذين يمجدون بروكروستي , الذين بوسيلة أو بأخرى صنعوا معيار لمجتمع مثالي مؤلف من سجن ديق يريدون دفع كل الأجيال القادمة نحوه , كل أولائك الذين بدل أن ينظروا إلى العلم كجزء من الأحداث الأساسية للحياة الطبيعية و الاجتماعية يصرون على أن الحياة كلها تتوقف عند نظرياتهم العلمية التجريبية الإجبارية . الميتافيزيقيون و الوضعيون هم أولائك الذين يحاولون فرض قوانينهم الاستبدادية على الحياة باسم العلم , و هم شاؤوا أو أبوا عبارة عن رجعيين .
هذا أمر يتسهل قبوله .
العلم بالمعنة الحقيقي للكلمة هو الآن بيد أقلية غير مهمة . على سبيل المثال عندنا في روسيا كم عدد العلماء المهنيين من أصل السكان الذي يصل تعدادهم إلى 8 ملايين نسمة ؟ ربما ألف يعلمون بقطاعات علمية ولكن ليس أكثر من مئات قليلة يمكن أن يعتبروا علماء جديين . فإن كان العلم هو من يجب أن يملي القوانين فأغلبية الملايين ستحكم من قبل مئة أو مئتان من المختصين . و في الواقع سيكون الحكام أقل من هذا بكثير فكل الفروع العلمية لا تعنى بإدارة المجتمع . هذا سيكون واجب علماء الاجتماع – علم العلوم – و عالم اجتماع حقيقي عليه أن يكون على اتطلاع بكل العلوم الأخرى . كم من هؤلاء الناس يوجد في روسيا أو في كل أوروبا ؟ عشرين أو ثلاثين ؟ وهل سيحكم هؤلاء العشرين أو الثلاثين العالم ؟ هل يستطيع أحد أن يتصور شيء أكثر لا منطقية و استبداد أفظع من هذا ؟
شيء أكيد بأن هؤلاء العشرين أو الثلاثين سيتقاتلون فيما بينهم و إن اتفقوا على خط سياسي ما فسيتحمل نتائجه الجنس البشري
أهم مساوئ الشبه مختص هو توجهه نحو تقوية معرفته للتقليل من أهمية معرفة كل شخص آخر . أعطه سلطة الرقابة و سيصبح طاغية ساحق . أليس من العار أن تكون البشرية عبيد عند اختصاصيين معياريين ! أعطوهم السلطة المطلقة لرونهم يستخدمون الكائنات البشرية لتجاربهم كما يستخدم العلم اليوم الأرانب و الكلاب .
يجب أن نحترم العلماء لعطآتهم و إنجازاتهم , و لكن لمنع فساد مستواهم الفكري و الأخلاقي يجب ألا يمنحوا حقوق و امتيازات خاصة تختلف عن تلك التي يمتلكها أي شخص – على سبيل المثال حرية التعبير عن المعتقدات و الفكر و المعرفة – لا يجب أن يعطى لا لهؤلاء و لا لأي مجموعة اختصاصية غيرهم ليتسلطوا على غيرهم . و أولائك الذين أعطوا السلطة لا جدال بأنهم سيصبحون الظالمين و المستغلين في المجتمع .
إلا أنهم قد قالوا لنا كلاما آخر (( العلم لن يكون مدى الحياة ملك للقليلين سيأتي زمن و يصبح حقا للجميع )) زمن كهذا بعيد جدا و حتى يتحقق يجب أن تحدث اضطرابات اجتماعية كثيرة و لكن و حتى لو وصلنا إلى هذا الزمن من سيثق بوضع قدره بيد قديسي العلم .
أعتقد بأن من يؤمن بأنه بعد الثورة الاجتماعية سنصبح جميعا مثقفين هو مخطئ . حينها كما هو الآن العلم سيبقى أحد القطاعات الاختصاصية إلا أنها ستكون حق للجميع و ليس لقلة من أعضاء الطبقة السائدة . بإلغاء الطبقة العلم سيصبح حق لكل أولائك الذين يملكون القدرة و الإرادة لطلبه , و لكن ليس على حساب العمل العضلي الذي سيكون إجباري للجميع .
في متاح الجميع سيكون هناك تعليم علمي عام و خصوصا تعليم الطريق العلمي , تعويد التفكير الصحيح , و قدرة أن يقوم أحدهم بأشياء صحيحة بنسب أقل أو أكثر . و لكن موسوعات فكرية و علماء اجتماعيين متقدمين سيكونون قليلين جدا . سيكون من المؤسف للجنس البشري أن يكون التفكير النظري هو البئر الوحيد الذي يقود المجتمع , إن كان العلم وحده هو الذي يدير المجتمع . الحياة ستطفأ و البشرية ستتحول لقطيع عبودي صامت . سيادة العلم على الحياة لا يمكن أن يكون له نتيجة إلا وحشية الجنس البشري .
نحن الأناركيست الثوريين نؤيد التعليم لكل الشعب , و الحرية , و أكبر مجال تمديد للحياة الاجتماعية . إلا أننا أعداء للدولة و كل شكل من أشكال سيطرة الدولة . بعكس الميتافيزيقيين و الوضعيين و أولائك الذين يعبدون العلم ,نعلن بأن الحياة الاجتماعية و الطبيعة يسبقون النظرية التي هي عبارة عن حدث في الحياة إلا أنها ليست مؤسسها . خارج العمق الذي لا ينضب للمجتمع تحدث مجموعة مستمرة من التطورات و لكن ليس فقط عن طريق التفكير . النظرية تولد دائما من الحياة , و لكن أبدا لا تشكلها , كلافتات الطرقات التي قد تدلك على الطريق و الخطوات المختلفة للخيارات الوحيدة و المستقلة للحياة .
على هذا الأساس نحن لا نطمح لإرغام نفسنا أو غيرنا على شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي مأخوذة من كتب أو موضوعة من قبلنا . نؤمن بأن البشر يملكون داخلهم و داخل غرائزهم ( التي تتطور أكثرأو أقل من خلال المسيرة البشرية ) في حاجاتهم اليومية و في طموحاتهم التي يشعرون و التي لا يشعرون بها كل مزاية التنظيم الاجتماعي المستقبلي . نبحث عن هذا الشيء المثالي داخل البشر نفسهم . كل سلطة دولة و كل حكومة من طبيعتها تقرر من دون و من فوق الشعب و ترغم الناس دون جدل على الخضوع لتنظيم و أهداف غريبة و خارجة عن طموحات البشر . نعلن بأننا ضد كل حكومة و كل سلطة دولة و كل تنظيم حكومي بشكل عام . نعتقد بأن البشر يمكن أن يكونوا أحرار فقط حين ينظمون من القاعدة إلى الأعلى في اتحادات مستقلة و حرة دون الأبوية الحكومية و لكن ليس بدون تأثير التشكيلات الفردية و الحزبية .
أفكار كهذه نملك كثوار اجتماعيون و لذلك ندعى أناكيست . لا نحتج لهذا الاسم و لكن لأننا أعداء كل سلطة حكومية لأننا نعلم بأن سلطة كهذه تفسد من يرتديها و أولائك الذين يجبرون على الخضوع لها . فنتيجة لآثارها الضارة الفئة الأولى يتحولون لمستميتين و طموحين طغاة و مستغلين للمجتمع من أجل مصالحهم الطبقية و الشخصية أما الأخرين فيصبحون عبيد .
كل المثاليون و الميتاقيزيقيون و الوضعيون أولائك الذين يؤيدون سلطة العلم على الحياة و الثوار العقاديون يؤيدون جميعا فكرة الدولة و سلطتها بشكل متشدد لأنهم يرون فيها نظامهم و أملهم الوحيد لإنقاذ المجتمع . شيء منطقي جدا إذا كانوا معتمدين على الاقتراح الأساسي ( الذي نعتبره كاذب ) أن الفكرة تسبق الحياة و أن النظرية توجد قبل الخبرة الاجتماعية و أن علم الاجتماع يشكل بداية كل الانتفاضات الشعبية و إعادة الهيكلة يصلون إلى نتيجة حتمية تقول لأن الفكر , النظرية و العلم موجودون بأيادي قلة من الناس على الأقل في هذه الأيام فهؤلاءالقلة هم من سيقود الحياة الاجتماعية و لن يكونوا فقط الرواد بل قادة كل الحركات الشعبية . و فورا بعد الثورة التنظيم الاجتماعي الجديد لن ينظم من قبل الرابط الحر الموجود بين التنظيمات و الاتحادات الشعبية المحلية و غير المحلية من الأسفل إلى الأعلى كما هو مطلب و غريزة البشر , و لكن فقط عن طريق ديكتاتورية القلة المتعلمة التي تعتبر ممثل الإرادة الشعبية .
طريقة التمثيل الكاذب الحكومي تستخدم لتغطية سيادة الشعب من قبل إليت مميز , أقلية منتخبة من جموع شعبية مخدوعة لا تعرف لمن و لماذا انتخبت . باستخدام هذه التقنية و التعبير التجريدي لها الذي يعتقد بشكل كاذب بأنها تمثل الإرادة الشعبية و التي الناس الحقيقيون لا يعلمون شيئا عنها , يبنون نظرية الدولة كما يبنون نظرية الديكتاتورية الثورية .
الفرق بين الديكتاتورية الثورية و الدولة معدوم فالاثنان يمثلون نفس القاعدة ألا و هي حكم الأقلية على الأكثرية باسم الغباء المزعوم للفريق الثاني و الذكاء المزعوم للفريق الأول يبقى الفريقان فريقان رجعيان حيث أن الفريقان يعملا على حفظ و إدامة الحقوق السياسية و الاقتصادية للأقلية السائدة و العبودية السياسية و الاقتصادية للجماهير الشعبية .
هذا الآن يظهر بشكل واضح فالديكتاتوريون الثوريون إلى قلب القوة الحالية و الهيكل الاجتماعي ليبنوا على أطلالها ديكتاتوريتهم لم و لن يكونوا أعداء للحكومة بل على العكس هم دائما المروج المستميت لفكرة الحكومة . هم أعداء للحكومات الحالية لأنهم يريدون أن يستبدلوها . هم ضد الهيكل الحكومي الحالي لأنها تمنع نشوء ديكتاتوريتهم . إلا أنهم و بنفس الوقت أكثر الأصدقاء التزاما بسلطة الدولة لأنه في حال دمرت الثورة هذه السلطة محررة بشكل الجموع بشكل حقيقي ستمنع هذه الأقلية الثورية الكاذبة من أي أمل بالإساءة للجموع التي أرادوا تحويلهم لورثة سياساتهم الحكومية . لقد عبرنا مرارا وتكرارا عن نفورنا من نظريات ماركس و لاسال الذين يعتمدون على العمال بهدف تأسيس الدولة الشعبية , التي و اعتمادا على تحليلاتهم ليست إلا البديل البروليتاري في مكان السلطة الحكومية .
و لكن فليسمح لنا بالسؤال : إن كانت البروليتاريا هي الطبقة السائدة فعلى من ستحكم ؟ باختصار ستحافظ على وجود بروليتاري آخر يكون خاضعا لهذه السلطة الجديدة لهذه الدولة الجديدة . على سبيل المثال القرويون الذين لا يحظون باحترام الماركسيين باعتبارهم يمثلون مستوى ثقافي أدنى سيحكمون غالبا من العمال الصناعيين بالمدن . أو إن كان يجب أن ننظر إلى هذه المشكلة من وجهة نظر قومية فالسلافيين سيصبحون في نفس موقع الرضوخ للبروليتاريين الألمان المنتصرين حيث يرضخ الآن هذا الأخير للطبقة البورجوازية الألمانية .
طالما الدولة الموجودة فسيادة طبقة على طبقة ستبقى موجودة و النتيجة ستكون العبودية . فدولة دون عبودية هو أمر خيالي لذلك نحن ضد كل دولة .
ماذا يعني بأن طبقة البروليتاريا ستصبح الطبقة السائدة ؟ هل من المعقول أن تكون البروليتاريا بأجمعها على رأس الحكومة ؟ يوجد تقريبا 4 ملايين ألماني . هل من الممكن أن يكون الأربع ملايين هؤلاء أعضاء بالحكومة ؟ في هذه الحالة لا يوجد لا دولة و لا حكومة فإن كان هناك دولة سيكون هناك من يحكم و من هو عبد .
النظرية الماركسية تحل بشكل بسيط هذه المعضلة . فبقولهم حكم شعبي يقصدون حكم قلة ممثلة منتخبة من قبل الشعب . الحق الشعبي لانتخاب الممثلين الشعبين في الحكومة و الكلمة الأخيرة للماركسيين و للديمقراطيين . و هو عبارة عن كذبة تختفي خلفها الأقلية السائدة , كذبة يزداد خطرها بادعائها تمثيل الإرادة الشعبية .
و في النهاية و من أي جهة نريد أن ندرس هذه الكذبة سنرى بأنها تؤدي لأن تحكم الجموع الشعبية من قبل أقلية مميزة . الماركسيون يقولون بأن هذه الأقلية ستكون من العمال . نعم قد تكون هذه الأقلية مؤلفة من عمال سابقين يتوقفون عن كونهم عمال ما أن يصلوا إلى سدة الحكم و سينظرون إلى جموع العمال البسطاء من موقع سلطتهم الحكومية , لن يمثلوا الشعب بعد بل سيمثلون أنفسهم فقط و مطالبهم لممارسة السلطة على الشعب . أولائك الذين يرفضون هذا لا يعرفون إلا القليل عن الطبيعة البشرية .
الماركسيون يقولون بأن هؤلاء الممثلون المنتخبون سيكونون اشتراكيون مثقفون و ملتزمون . التعابير المشابهة (( لمثقفين اشتراكيين )) و (( اشتراكية علمية )) و .... إلخ الموجودة بشكل كبير في كتابات أنصار لاسال و ماركس تدل على أن الدولة الشعبية الكاذبة ليست إلا استبداد رقابي للسكان من قبل فئة قليلة من العلماء الكاذبين . و الناس الغير مثقفين سيتحولون إلى قطيع منضبط . يا لها من حرية حقيقية !
الماركسيون يعلمون جيدا عن هذا التناقض و يعترفون بأن حكومة علماء ستكون ديكتاتورية مهما كان شكلها الديمقراطي . إلا أنهم يتواسون بأن هذه السيادة ستكون لفترة وجيزة . يقولون بأن هدفهم الوحيد و تثقيف الشعب و رفع مستواه الاقتصادي و السياسي لدرجة دولة من هذا الشكل تصبح غير مهمة و الدولة تخصر حينها دورها القمعي ستتحول إلى تنظيم حر للمصالح الاقتصادية و الكمونات .
يوجد تناقض مهم في هذه النظرية . فإن كانت دولتهم حقا دولة شعبية لماذا يريدون إلغاءها ؟ و إن كانت الدولة ضرورية لتحرير العمال إذا العمال الذين يعيشون بهذه الدولة لم يتحرروا بعد . لماذا إذا تدعى هذه الدولة بالشعبية ؟ بحربنا ضد هؤلاء دفعناهم للاعتراف بأن الحرية أو الأناركية التي هي عبارة عن تحرير الجموع الشعبية و تنظيمها من الأسفل للأعلى هو الهدف النهائي و للتطور الاجتماعي و أن أي دولة دون أن نستثني دولتهم الشعبية هو عبارة عن تزاوج يتألف من الاستبداد من جهة و العبودية من جهة أخرى . يقولون بأن ديكتاتورية كهذه هي انتقال مرحلي نحو الحرية المطلقة للبشر و بأن الأناركية و الحرية هم الهدف , إلا أن الدولة و ديكتاتوريتها هي وسيلة , و هكذا حتى تتحرر الجموع الشعبية نحتاج أولا إلا الاستعباد ! حربنا مع هؤلاء يتوقف عند هذا التناقض . الماركسيون يصرون على أنه فقط عن طريق ديكتاتورية ( طبعا ديكتاتوريتهم ) يمكن أن يتحرر الشعب . و نحن نرد عليهم بأن أي ديكتاتورية لا تهدف إلا للمحافظة على ذاتها و بأنها ستولد استبداد الناس و العبودية . الحرية يمكن أن تولدد فقط من الحرية و من انتفاضة جماعية شعبية و تنظيم إرادي للناس من القاعدة إلى الأعلى .
إن نظرية الاشتراكيين المضادين للدولة أو الأناركسيت تقودهم حتما للصراع مع كل أشكال الدولة و مع كل خطوط السياسات البورجوازية و لا تختار طريق إلا الثورة الاجتماعية . النظرية المواجة الشيوعية السلطوية و حكم العلماء تجذب و تسبب ارتباك لأنصارها و تحت حجة التكتيك السياسي تقوم دائما بتعاملات مع الحكومة و الأحزاب البورجوازية و تسير بشكل فادح بطريق الرجعية .
النقطة التأسيسية لهذا البرنامج هو أن الدولة وحدها تستطيع تحرير البروليتاري ( الكاذب ) . لكي يتحقق ذلك يجب أن تهتم الدولة بتحرير البروليتاري من الرأسمالية . هل المعقول أن تملك الدولة إرادة كهذه ؟ ليتحقق ذلك يجب أن تصبح الدولة بيد البروليتاري عن طريق ثورة عن طريق عمل بطولي . و لكن ما أن يستحوذ البروليتاري على الدولة يجب بشكل مباشر أن يلغي هذا السجن الأبدي للبشر . و لكن اعتمادا على ماركس فالبشر ليس عليهم فقط بعدم إلغاء الدولة بل على العكس عليهم تقويتها على مدها و أن يتركوا المجال متاح للمحسنين الأوصياء المعلمين قادة الحزب الشيوعي , يعني بالنسبة للسيد ماركس و أصدقاؤه سيحررون الشعب بطريقتهم الخاصة , و سيحصرون السلطة بين أيديهم القوية , لأن الشعب الغير متعلم يحتاج إلى وصاية قوية , كما سينشؤون بنك حكومي , الذي سيتحكم بكل التجارة , الصناعة , الزراعة و حتى العلم . و الجموع ستفصل إلى معسكرين , الزراعيين و الصناعيين , و سيكونون تحت الإدارة المباشرة لسلطة الدولة , التي ستتكون من طبقة العلماء السياسيين المميزة الجديدة .

برنامج قسم التحالف الاشتراكي الديمقراطي بجنيف (1868) ترجمة : حسني كباش


برنامج قسم التحالف الاشتراكي الديمقراطي بجنيف
أكتوبر 1868
ترجمة : حسني كباش 


1- التحالف يعتبر ملحد , يهدف إلى إلغاء العبادة , و استبدال الإيمان بالعلم و ملكوت السموات بالعدالة الإنسانية
2- يهدف قبل كل شيء إلى إلغاء الطبقات و تحقيق المساواة السياسية , الاقتصادية و الاجتماعية للجنسين و لنصل إلى ذلك نطلب قبل كل شيء إلغاء حق الإرث , حتى يكون التمتع في المستقبل على قدر الإنتاج و كما جاء في مؤتمر عمال البرازيل الأرض و الأدوات و كل رأس مال يجب أن يكونوا ملك جماعي لكل المجتمع و ألا يستخدموا إلا من العمال أي التعاونيات الفلاحية و الصناعية
3- يريد لكل أبناء الجنسين منذ ولادتهم المساواة في وسائل التطور أي الغذاء , التربية و التعليم في جميع درجات العلم , الصناعة و الفن طبعا هذا المساواة التي هي أولا اقتصادية و اجتماعية ستكون نتيجتها المساواة الطبيعية للأشخاص , ملغية كل اللا مساواة الخيالية القادمة من تنظيم اجتماعي زائف و ظالم
4- ضد كل استبداد , و غير معترف بأي سياسة غير ديمقراطية , رافضا مجموعة متزمتة , و يرفض أي ممارسة سياسية لا تهدف بشكل مباشر و محاذي انتصار القضية العمالية ضد رأس المال
5- يرى بأن كل الأنظمة السياسية و القمعية الموجودة اليوم يحددون بشكل متواصل عملية إدارة الخدمات العامة في البلد , هادفين إلى إلغاء وجودها في الوحدة العالمية للتعاونيات الحرة
6- لا يمكن إيجاد حل حقيقي و جزري للقضية العمالية إلا في قاعدة أممية عمالية تضامنية في كل البلدان , التحالف يرفض كل سياسة ترتكز على الوطنية و التنافس القومي
7- يطلب التعاون العالمي لكل التعاونيات المحلية الحرة

حول التحالف 

التحالف الاشتراكي الديموقراطي هو انشقاق عن رابطة السلام و الحرية تأسس في جينيف في أكتوبر 1868 و كان الفيلسوف الأناركي الكبير  باكونين أحد أعضائه (المترجم)

حول الملكية العقارية - ميخائيل باكونين ترجمة : حسني كباش



حول الملكية العقارية 
ميخائيل باكونين
ترجمة : حسني كباش


غياب ممثلي الفلاحين لا لأننا نرفض في المؤتمر بأن يعبروا عن رأيهم حول موضوع الملكية العقارية. المؤتمر هو مجرد أقلية, و لكن في كل العصور وجد ممثل ما لمصالح كل البشرية. في عام 1789 الأقلية البورجوازية مثلت مصالح فرنسا و العالم. حيث أحضرت تسلق البورجوازية وسمع فقط احتجاج واحد باسم طبقة البروليتاريا تلك التي صدرت من بابيوف و نحن نقوم بمواصلة عمله و أقليتنا ستصبح يومًا ما أغلبية.
و بخلاف ما يقولون,الجماعة هي قاعدة الفرد, المجتمع هو من يصنع الإنسان منفرد, و لن ينجح لا إن تكلم ولا إن فكر. و حتى أنه أساس و نتيجة لهم . فغاليليوس و نيفتون لم يكتشفوا شيئا دون الاعتماد على عمل الأجيال السابقة . هناك من هو أغنى فكريا من فولتيرو إنه العالم . أشد الناس ذكاء لو عاش وحيد في جزيرة صحراوية لمدة خمس سنين لما استطاع أن ينتج شيء , الفرد ليس له قيمة دون الجماعة . و الملكية الفردية كانت و لا تزال استغلال للعمل الجماعي و لا نستطيع تدمير هذا الاستغلال إلا باستبداله بالملكية الجماعية . و أطلب من المؤتمر بأن يأخذ بشكل جدي الاستنتاجات التالية :
أنتخب الملكية الجماعية , خاصة العقارية و بشكل عام لكل غنى اجتماعي في سياق الانحلال الاجتماعي
أنتظر من الانحلال الاجتماعي مصادرة كل الملكيات الحالية , مع الإلغاء السياسي و القانوني للدولة , التي تحقق و تضمن كل الملكيات اليومية و كل ما يسمى حق قانوني . و المصادرة الحقيقية في كل مكان و حيث نستطيع من داخل ضغط الأحداث و الأمور .
و حول التنظيم اللاحق أؤمن بأن كل عمل إنتاجي يجب أن يكون جماعي , و بأن العمل الذي يسمى فردي هو بحقيقة الأمر عمل جماعي , لأنه هذا العمل الفردي هو عمل يستحيل إنجازه دون عم الناس السابقة في الجيل الحالي .
أستنتج من ذلك مسؤولية التعاونيات , التي تقترح من غالبية لجان التحقيق , منذ البداية بحيث تتحمل مسؤولية تجريم التنظيم الاجتماعي من القاعدة إلى الرأس , في حين خطة الأقلية تتحدث عن الدولة .
أنا مصمم على محاربة الدولة و كل سياساتها البورجوازية .
و أطلب دمار كل الدول المحلية و القومية و استبدالها بالدولة العمالية الأممية .

ميخائيل باكونين

1 أكتوبر 1869

الاثنين، 16 يناير 2012

مجتمع من الرُضع ؟

هل نحن مجتمع من الرُضع ؟
الأناركية والحياة بلا حكومة



تملك الأناركية الكثير من سوء السمعة هذه الأيام، لا يتخيل الناس، بمجرد ذكرها، غير صفوف من عربات محترقة، وعصابات من لصوص هائمة، وعنف أخرق فى الشوارع، لا تعني الأناركية شيئًا، سوى انهيار النظام الاجتماعي نفسه - هكذا يقال لنا - و لكن هل هذا صحيح؟، هل الحكومة هى الأساس الجوهرى للمجتمع حقا ؟
أن يقال أننا سنمزق المجتمع، إذا ما تخلينا عن حكومة تقف فوق رؤوسنا، و تلوح أمامنا مهددة بعصا السلطة. أن يقال هذا، فلا يعنى غير أننا لسنا أكثر - في الحقيقة - من مجرد مجموعة من الأطفال الرضع ممن لا حول لهم و لا قوة، وأن كل شئ نبنيه و نتشاركه، يتم فقط بنعمة أسيادنا العطوفين، هؤلاء الذين يحموننا و ينقذوننا من أنفسنا. المجتمع هو سلطة الحكم. سلطة الحكم هى المجتمع. دائمًا و أبدًا.
ولكن أين تسكن سلطات الحكم فى حياتنا اليومية؟، هل الحكومة هى التى تهتم بالمرضى فى المستشفيات؟، كلا، إنهم الممرضون والأطباء. هل الحكومة هى من تُسَير القطارات ووسائل النقل؟، كلا، إنهم عمال النقل العديدين. هل الحكومة هى التى تبنى و تصلح المنازل؟، كلا، إنهم عمال البناء. ربما تقوم الحكومة بتوظيف جميع هؤلاء، ولكن هذا لا يفرقها عن أى رئيس فى شئ : لا يقوم بأى عمل و يجنى كل الأرباح فى النهاية.
لكن اذا كان الناس هم الذين يرعون شئون الحياة اليومية عمليًا، فأين إذًا تلك الحكومة التى لا تقدر بثمن، والتى من غيرها سوف نضيع جميًعا؟، أي وظيفة تؤديها تلك الحكومة، و لا نقدر نحن على الإتيان بها من أجل أنفسنا؟
نحن لسنا مجتمعًا من الرضع، ولا نحتاج الحكومة لتنقذنا من أنفسنا. يمكن للمرء أن يتأمل الدولة ليجد أنها ليست ذلك الكيان كلي المعرفة كلي الرعاية، الذى يبدو عليه. كلا، إننا نحن - فى الحقيقة - من عليه أن ينقذ نفسه ، من نظام يهتم بالربح أكثر من ممارسة الحياة نفسها.
وهذا هو ما تعنيه الأناركية حقًا : أن يُسَير عموم الناس شئون مجتمعهم، معًا و بالاشتراك، بهدف منفعتهم هم - و ليست منفعة القلة من، الأغنياء و الأقوياء. يمكن اختصار هذا، من خلال شعار ثورى :
الحكومة تحتاجنا ، لكننا لا نحتاج أبدًا الحكومة




.............................................................................
* النص الأصلى :
http://zabalazabooks.net/2011/06/25/leaflet-what-no-government/

الأربعاء، 11 يناير 2012

الحياة لا العمل - بيتر كروبوتكين


الحياة لا العمل *

- بيتر كروبوتكين * -

يجب أن نقر - و نعلن على الملأ - أن لكل شخص ( الحق فى الحياة ) قبل أى شئ ، مهما كان موقعه فى المجتمع القديم : قويا أو ضعيفا ، قادرا أو غير قادر . و أن هذا المجتمع مُلزَم باقتسام وسائل الوجود ، بين الجميع ، و بغير استثناءات . يجب أن نقر بهذا ، و ننادى به علانية ، و نسعى للوصول اليه .

يجب أن يكون مُدبرا جدا أن يعلم العمال ، منذ اليوم الأول للثورة ، أن عصرا جديدا انفتحت أبوابه أمامهم : أن أحدا - من الآن فصاعدا - لن ينام تحت الجسور " و القصور بجانبه " . لن يشعر بالجوع " وسط الطعام " . لن يموت بردا " بالقرب من متاجر عامرة بالفرو " . يجب أن يعلم العمال أنه ، منذ الآن ، كل شئ لكل شخص - نظريا و عمليا . و أنه أخيرا ، و للمرة الأولى فى التاريخ ، يتم انجاز ثورة تأخذ بعين الاعتبار " حاجات " الناس قبل أن تروضهم بشأن " الواجبات " .

لا يمكن لهذا أن يتأتى من خلال أعمال البرلمان ، و انما فقط بحيازة - فورية و فعالة - لكل شئ ، بما هو ضرورى لضمان رفاهية الجميع . هذا هو السبيل العلمى الوحيد حقا المؤدى للعمل . الطريق الوحيد الذى تفهمه و ترغبه الناس .

يجب الحيازة ، باسم الناس ، على صوامع الحبوب و متاجر الملابس العامرة و منازل السكن . لا يجب أن يضيع شيئا . علينا أن ننظم طريقة - بغير تأخير - لاطعام الجائع ، لاشباع جميع الحاجات ، للوفاء بكل طلب ، للانتاج - ليس لمنفعة خاصة لهذا أو لذاك - و لكن بما يضمن حياة و نمو المجتمع ككل .

كفانا كلمات غامضة على شاكلة ( الحق فى العمل ) . تلك التى أضلت الناس فى عام 1848 * ، و ما زالت تستخدم لنفس السبب . لنمتلك شجاعة الاقرار أن الرفاهية للجميع - الممكنة ، من الآن فصاعدا - لابد أن تتحقق . عندما طالب العمال بالحق فى العمل ، عام 1848 ، تم تنظيم ورش العمل - على مستويات قومية و محلية - و ارسالهم ليكدحوا هناك بمعدلات انتاج منخفضة ، و عندما طالبوا بضرورة تنظيم العمل ، كانت الاجابة : " صبرا يا رفاق ، ان الحكومة تنظر فى الأمر ، أما الآن فلتستريحوا - أيها الكادحين الشجعان - بعد طول كفاحكم من أجل الطعام " . كانت المدافع يتم اعدادها ، فى نفس الوقت ، و يُستدعى الاحتياطى ، و تُفكك تنظيمات العمال - بطرق عديدة تعرفها الطبقة الوسطى جيدا - حتى قيل لهم ذات يوم أن يذهبوا لاستعمار أفريقيا أو يُطلق النار عليهم .

ستكون النتيجة أكثر اختلافا ، لو يطلب العمال الحق فى الرفاهية . يطلبون حق حيازة ثروة المجتمع ، بطلبهم للرفاهية : أن يحتلوا منازلا للسكن ، حسب حاجة كل أسرة . أن يضعوا يدهم على متاجر الطعام ، و يعرفوا معنى الوفرة ، بعدما عرفوا معنى الندرة جيدا جدا . يطالبون بحقهم فى كامل الثروة - ثمرة جهد أجيال من الماضى و الحاضر - و يتعلموا من خلال وسائلها أن يلتذوا بالمتع الأسمى من فنون و علوم ، تلك التى احتكرتها الطبقة الوسطى طويلا .

و بينما يؤكدون حقهم فى العيش برفاهية ، يفعلون نفس الأمر - لما هو أكثر أهمية : حقهم فى تحديد ماهية تلك الرفاهية بالنسبة لهم . ما الذى يجب انتاجه لضمانها ؟ . و ما الذى يجب نبذه باعتباره غير مهما ؟ .

ان الحق فى الرفاهية ، يعنى امكانية العيش كآدميين ، و تنشئة أطفال يكونوا أعضاء فى مجتمع أفضل من مجتمعنا الحالى . بينما الحق فى العمل لا يعنى غير الحق فى أن تكون عبدا دائما للأجر ، كادحا أبديا محكوم و مُستغَل من قبل الطبقة الوسطى .

الحق فى الرفاهية هو ثورة اجتماعية . الحق فى العمل ، ليس غير ، طاحونة من النشاط التجارى .

لقد آن الآوان للعمال أن يؤكدوا على حقهم فى الارث المشترك .. و فى الحيازة .


............................................................................

1 . النص ، مقطع من الفصل الثانى لكتاب " الاستيلاء على الخبز " . أما العنوان ، فمن وضع المترجم .

النص الذى اعتمدت عليه الترجمة :

http://theanarchistlibrary.org/HTML/Petr_Kropotkin__The_Conquest_of_Bread.html#toc9

2 . بيتر كروبوتكين ( 1842 - 1921 ) : لاسلطوى روسى ، واحد من أهم المنظرين للشيوعية اللاسلطوية . قام بتأليف العديد من الكتب و المقالات ، موضحا الأسس المنطقية و العلمية التى تؤكد امكانية تطبيق الأفكار اللاسلطوية بشكل سلس و فعال على الأرض . من أهم تلك الأعمال " الاستيلاء على الخبز " ، " الحقول ، المصانع ، و ورش العمل " ، " الأخلاق : الأصل و التطور " و " المساعدات التبادلية : عامل للتطور " .

3 . ثورة فبراير 1848 : أسقطت الحكم الملكى ، و أسست للجمهورية الفرنسية الثانية . قامت الحكومة الجديدة بارساء قاعدة الحق فى العمل ، فى محاولة للتخلص من البطالة المتفشية فى فرنسا آنذاك ، من خلال تأسيس ورش مركزية للعمل . تم تضمين القاعدة فى عام 1948 ، فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان ، المادة 23 ، الفقرة الأولى :

" لكل شخص الحق فى العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة " .

الاثنين، 9 يناير 2012

الرجل ذو العصا الكبيرة - ديفيد جرايبر


 الرجل ذو العصا الكبيرة  *
ديفيد جرايبر *
ترجمة : مينا ناجي


يحب الأكاديميون أطروحة ميشيل فوكو التى تحدد المعرفة و القوة، و تؤكد على أن القوة الغاشمة لم تعد العامل الرئيسى فى السيطرة الاجتماعية. يحبونها، لأنها، تتملقهم : الصيغة النموذجية للناس الذين يحبون أن يروا أنفسهم ثوريين سياسيين، حتى و ان كان كل ما يفعلونه هو كتابة مقالات سيقرأها - فى الأغلب - بضع عشرات آخرين، داخل إطار البيئة المؤسسية .
لكن بالطبع لو أن أحدًا من هؤلاء الأكاديميين ترجل لمكتبتهم الجامعية ليراجع بعض كتب لفوكو، من دون أن يتذكر جلب بطاقة هوية سارية المفعول، ثم قرر أن يدخل على أية حال. لو أن أحدًا منهم فعل هذا، سوف يكتشف عاجلًا أن القوة الغاشمة ليست بعيدة الى هذا الحد الذى يحب أن يتخيله : رجل ذو عصا كبيرة - مدرب تماما بشأن كم سيكون قاسيًا ضرب الناس بها - يقوم بطرد الأكاديمى سريعًا. 
فى الحقيقة، يتغلغل تهديد الرجل ذو العصا الكبيرة فى كل لحظة من عالمنا. حتى أن معظمنا تخلى عن التفكير فى عبور ما خلقه من حواجز و خطوط لا حصر لها. على هذا النحو، فقط، لم يعد علينا أن نذكر أنفسنا بوجوده. إن نظرت مثلًا لامرأة جائعة تقف على بعد ياردات من كوم ضخم من الطعام - و هو حدث يومى بالنسبة لمعظمنا، سكان المدن - سيكون هناك سبب يمنعك من التقاط بعض الطعام فقط و اعطائه اياها : أن رجلًا ذو عصا كبيرة سيأتى و من المحتمل جدا أن يضربك. 

يجد اللاسلطويون سعادتهم - فى المقابل - فى تذكيرنا بمثل هذا الرجل. لسكان مجتمع كريستيانا، فى الدنمارك على سبيل المثال، طقوسًا لعيد الميلاد، يلبسون فيها على غرار بابا نويل و يأخذون لعبًا من المتاجر ليوزعونها على الأطفال فى الشارع، فقط - جزئيًا - لكى يستمتع الجميع بمرأى رجال الشرطة و هم ينهالون ضربًا على بابا نويل و يعيدوا الألعاب و قد انتزعوها من الأطفال الباكين.
هذا التأكيد النظرى يفتح الطريق لنظرية عن علاقة القوة - ليس بالمعرفة و انما بالجهل و الغباء. لأن العنف، خصوصصا العنف الهيكلى حيث تتركز القوة كلها فى جانب واحد، يخلق الجهل. ليس عليك أن تتكبد عناء اكتشاف ما الذى يظنه الناس بشأن سير الأمور، إن امتلكت القوة لأن تضربهم فوق رؤوسهم كلما أردت. الطريقة مضمونة النجاح، بالتالى، لتسطيح الترتيبات الاجتماعية - و تجاهل تلك اللعبة مدهشة التعقيد من وجهات النظر و الانفعالات والرؤى والرغبات والتفاهمات المتبادلة، التى تتكون منها فى حقيقة الأمر الحياة الانسانية - الطريقة مضمونة النجاح لذلك هو أن تضع قاعدة ثم تتوعد بمهاجمة من يكسرها.
العنف، لهذا السبب، هو الملاذ المفضل للكائن الغبى. العنف هو نوع من الغباء الذى يستحيل مواجهته - تقريبًا - برد ذكى. وهو أيضًا، بالطبع، أساس الدولة.

.......................................................................................

1. النص، مقطع من كتاب (شذرات لإنثروبولوجيا لاسلطوية) الصادر فى 2004 عن دار نشر Prickly Paradigm Press صفحة 71- 73،  أما العنوان فمن وضع المترجم.
يمكن تحميل الكتاب من خلال هذا الرابط :
2. ديفيد جرايبر ( ولد فى 1961 ) : لاسلطوى و انثروبولوجى أمريكى. واحد من الملهمين - والمشاركين - فى حركة إحتلال الميادين. له العديد من الإسهامات فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة من وجهة نظر أناركية. أهم أعماله : شذرات لانثروبولوجيا لاسلطوية ، نحو نظرية انثروبولوجية للقيمة ، الدَيْن : الخمسة آلاف سنة الأولى .


  


             












   
        

الخميس، 5 يناير 2012

المقاعد الخالية - بيتر كروبوتكين





المقاعد الخالية *

بيتر كروبوتكين*

ترجمة : مينا ناجي


" كتب كروبوتكين هذا النص ، آنذاك ، قبل نحو 120 عاما من لحظتنا هذه ، متحدثا عن التناقضات الداخلية لكوميونة باريس *، تلك التى عصفت بها - مع الأخطار الخارجية - بعد وقت ليس بالطويل من نشأتها ، و مشيرا لبعض الأحداث الفرنسية الأخرى ، و قد شدد على الفارق الواضح بين ما يتعلق بالانتفاضة و ما يتعلق بالثورة . و يبدو أن نفس النص يصلح تماما لالقاء الضوء على ملابسات المشهد المصرى ، الآن"      


..............................................................................



اننا ندرس جميعا الجانب الدرامى للثورة كثيرا جدا ، و الجانب العملى قليلا جدا . نميل الى أن نرى فقط الآثار المسرحية ، ان جاز التعبير ، لهذه الحركات العظيمة : قتال الأيام الأولى ، المتاريس . و لكن هذا القتال - هذا الصدام الأول - سرعان ما ينتهى . و بعد الاطاحة بالنظام القديم فقط ، يمكن القول أن العمل الحقيقى للثورة يبدأ .

ينجرف الحكام القدامى بنفخة من انتفاضة - عاجزين ، منزوعى القوة ، و مهاجَمين من جميع الجوانب . لم يعد هناك ملكية برجوازية ، خلال أيام قليلة من العام 1848 * ، و كانت باريس قد نست بالفعل " ملكها المواطن " بينما كان لويس فيليب يتقن هروبه بمركبة مغطاة . و اختفت حكومة تيير ، خلال ساعات قليلة من يوم الثامن عشر من مارس للعام 1871 ، تاركة باريس سيدة مصيرها . مع ذلك 1848 و 1871 ليست غير انتفاضات .

يختفى سادة النظام القديم ، أمام الثورة الشعبية ، بسرعة مدهشة . يهربون من البلاد ليتآمروا آمنين فى مكان آخر ، مبتكرين الوسائل من أجل عودتهم .

تختفى الحكومة السابقة . يتردد الجيش أمام مد الرأى الشعبى ، و لا يعد طائعا لقادته ، الذين يرحلون أيضا بحكمة . تقف القوات على مقربة بغير تدخل ، أو تنضم للمتظاهرين . تقف الشرطة مسلمة ، غير واثقة ان كانت تهاجم الحشد أو تصرخ : تحيا الكوميونة ! ، بينما يتراجع البعض الى مقراتهم " فى انتظار ملذات الحكومة الجديدة " . يحزم المواطنون الأغنياء حقائبهم و يلتجئون الى أماكن آمنة . و يبقى الشعب .

هكذا تُعلن الثورة . ينادى بالكوميون ، فى العديد من المدن الكبيرة . يطوف الآلاف من الناس فى الشوارع ، و يحتشدون فى نوادى مرتجلة فى المساء ، سائلين : ماذا سوف نفعل ؟ . يناقشون ، بحماسة ، الشأن العام - الذى يهتم به الجميع : أكثر المتحمسين ، ربما ، هم هؤلاء الذين كانوا فى الماضى أكثر اللامبالين . فى كل مكان ، هناك الكثير من حسن النية و الرغبة العارمة فى تأكيد الانتصار . انه وقت التفانى الفائق . و الناس مستعدون للمضى قدما .

كل هذا رائع و جليل ، لكنه - ما يزال - ليس الثورة . كلا . سيبدأ الآن فقط عمل الثائر .

سيتم ارضاء عطش الانتقام ، بلا شك . و سوف يدفع أنصار واترين و توماس عقوبة عدم شعبيتهم * ، لكن هذا الأمر من حوادث النضال فقط و ليس ثورة

يهرول السياسيون الاشتراكيون ، الراديكاليون ، عباقرة الصحافة المهمشون ، الخطباء ، مواطنو الطبقة الوسطى ، و العمال الى دار البلدية و مكاتب الحكومة ، و يستحوذون على المقاعد الشاغرة . يبتهج قلب بعضهم بالزركشات المذهبة * - معجبين بأنفسهم فى المرايا الوزراية - و يدرسون لاعطاء الأوامر بأجواء من أهمية تتناسب مع وضعهم الجديد . يجب أن يملكوا وشاحا أحمر ، قبعات مطرزة ، و ايماءات وقورة متسلطة لكى يأثروا على رفاقهم فى المكاتب أو المصانع . بينما يدفن البعض الآخر نفسه فى الأوراق الرسمية ، محاولا - بأفضل الارادات - تحديد رأسها من ذيلها .

يخطون القوانين و يصدرون المراسيم الكلامية المحلقة عاليا ، و التى لن يتحمل عناء تنفيذها أحد ، لأن الثورة جاءت . يسعون لاقرار الأنماط القديمة للحكم ، باعطاء انفسهم سلطة " لم يعد لها وجود " . و يحملون أسماءا مثل : حكومة مؤقتة / لجنة الأمن العام / محافظ / حاكم البلدية / مفوض المصلحة العامة ، و ما غير ذلك . يجتمعون ، بانتخاب أو تزكية ، فى لجان أو مجالس بلدية ، من عشرة أو عشرين تيار مختلف - ليسوا بالظبط جوقات منعزلة - و انما - على الأقل - العديد من الطوائف التى تمثل العديد من الأساليب فيما يتعلق بنطاق و اتجاه و هدف الثورة .            

يتبارز معا الاصلاحيون ، الجمعيون ، الراديكاليون ، اليعاقبة ، و البلانكيون * . يهدرون الوقت فى حروب كلامية . يتداخل الرجال المخلصين مع الطامحين - الذين حلمهم الوحيد هو القوة ، و يزدرون الحشود أينما ظهروا . يتلاقون معا بوجهات نظر متناقضة تماما ، و يُجبَرون على تكوين تحالفات متعسفة فى سبيل خلق أغلبية لا تستمر الا يوما . يتشاحنون ، و قد دعوا بعضهم البعض بالرجعيين و المستبدين و الأوغاد ، غير قادرين على الوصول لفهم بأى مقياس جدى . ينسحبون فى مناقشات بشأن تفاهات ، و لا يقدمون شيئا أفضل من التصريحات الرنانة . لكنهم - مع ذلك - يأخذون أنفسهم بجدية ، غير عالمين أن القوة الحقيقية للحركة فى الشارع .

كل هذا يمكنه أن يسعد هؤلاء الذين يحبون المسرح . لكنها ليست الثورة . لم يتحقق شئ بعد ، فى الوقت الذى يعانى فيه الناس . المصانع عاطلة عن العمل . ورش العمل مغلقة . الصناعة فى ركود تام . العامل لا يتقاضى حتى الأجر الهزيل الذى كان له من قبل . أسعار الطعام ترتفع . لكن الناس تنتظر بصبر ، مع هذا الاخلاص البطولى الذى يميزهم دائما ، و الذى يصل لأقصاه فى الأزمات الكبرى ، قائلين ، فى عام 1848 : " نحن نضع تلك الشهور الثلاثة من الحاجة فى خدمة الجمهورية " ، بينما كان يتلقى ( ممثليهم ) و السادة نبلاء الحكومة الجديدة أجرهم بانتظام ، و قد وصلوا لأحقر احساس ذاتى تافة بأهمية المنصب

الناس تتألم . و يظنون - مع ايمان طفولى و حس فكاهى لجماهير تثق فى قادتها - أن " هناك " ( فى المجلس التشريعى ، فى دار البلدية، فى لجنة الأمن العام ) توضع مسألة رفاهيتهم فى الاعتبار . و لكنهم " هناك " يناقشون كل شئ تحت الشمس ، باستثناء رفاهية الناس . عندما اجتاحت المجاعة فرنسا ، فى عام 1793 * ، و أقعدت الثورة ، و بينما كان الناس يرتدون لأعماق البؤس ( و الشانزلزية يصطف بالعربات الفاخرة حيث تتباه النساء بالمجوهرات و البذخ ) ، كان روبسبير يحث اليعاقبة * لمناقشة اطروحتهم بخصوص الدستور الانجليزى . بينما كان العمال يعانون ، فى عام 1848 ، من الانقطاع العام للتجارة ، كانت الحكومة المؤقتة و المجلس التشريعى يتشاحنان بخصوص المعاشات العسكرية و عمل السجن - بغير عناء التفكير ، بشأن كيفية معيشة الناس فى ظل هذه الأزمة .

و ان كان للمرء أن يلقى لوما على كوميونة باريس - تلك التى ولدت تحت مدفع البروسيين ، و استمرت سبعين يوما فقط - سيكون من أجل نفس الخطأ : هذا الفشل فى فهم أن الثورة لا يمكنها أن تنتصر الا عندما يُطعم هؤلاء الذين يقاتلون فى جانبها . اذ أنه ، بخمسة عشر بنسا فى اليوم ، لا يستطيع الرجل أن يحارب على المتاريس ، و فى نفس الوقت ، يعول أسرة .     


...............................................................................
    

* هوامش الترجمة :
          

1 .  النص هو مقطع من الفصل الثانى من كتاب " الاستيلاء على الخبز " . أما العنوان فمن وضع المترجم .

النص الأصلى :  http://theanarchistlibrary.org/HTML/Petr_Kropotkin__The_Conquest_of_Bread.html#toc8

2 . بيتر كروبوتكين : لاسلطوى روسى ، واحد من أهم المنظرين للشيوعية اللاسلطوية " الشيوعية الأناركية " . قام بتأليف العديد من الكتب و المقالات ، موضحا الأسس المنطقية و العلمية التى تؤكد امكانية تطبيق الأفكار اللاسلطوية بشكل سلس و فعال على الأرض . من أهم تلك الأعمال " الاستيلاء على الخبز " ، " الحقول ، المصانع ، و ورش العمل " ، " الأخلاق : الأصل و التطور " و " المساعدة التبادلية : عامل للتطور " . 

3 . كوميونة باريس ( 18 مارس - 28 مايو 1871 ) : موجة ثورية قامت على اكتاف الطبقة العاملة ، بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية - خصوصا بعد الهزيمة الفادحة لفرنسا فى الحرب ضد بروسيا . أسقط الباريسيون حكومة أدولف تيير ، و انتخبوا بدلا منها مجلسا محليا (الكوميونة ) تضمن العديد من العمال و غير العمال على اختلاف طوائفهم السياسية ( من اصلاحيين الى راديكاليين ) . ألغت الكوميونة التجنيد الاجبارى و الجيش النظامى ، و أحرقت المقصلة علنا ، فى الوقت الذى رتبت فيه لاتخاذ بعض السياسات الاشتراكية - لم تستطع تحقيق معظمها لقصر عمرها . انتهت بتحالف السلطات المركزية ضدها ، المنتصرة ( بسمارك من بروسيا ) و المنهزمة ( تيير من فرنسا ) و اجتياح الجيش الفرنسى الحكومى - بالتنسيق مع البروسيين - باريس ، و اعدام الآلاف من سكان المدينة .                 

4 . ثورة فبراير 1848 : أسقطت الحكم الملكى ، و أسست للجمهورية الفرنسية الثانية .

5 . جاك ليونار كليمنت توماس : جنرال فرنسى حكومى ، كُلف بالقضاء على ثورة الباريسيين مع بداية نشأة الكوميونة . لم يطع جنوده الأوامر باطلاق النار ، و تم أسره و اعدامه

6 . يقصد ملابس الحكم الرسمية فى ذلك الوقت

7 . التيارات السياسية التى شاركت فى ادارة كوميونة باريس  

8 . من ضمن أحداث الثورة الفرنسية ( 1789 - 1799 (

9 . شخصيات سياسية بارزة فى الثورة الفرنسية